Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 95-95)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد ما تكلم الحق عن التوحيد والنبوات ، ومن كانوا يعاكسون ويعارضون ويناوئون تلك النبوات ويكذبونها وقالوا فيها الإفك أراد الله أن يلفت خلقه إلى ما أعدّه لهم استبقاء لحياتهم ، وكيف سخّر لهم كل الكون بما فيه … جماداً ونباتاً وحيواناً ، وكأنه سبحانه يوضح : إن كنت لا ترى أن الخالق يستحق عبادتك فانظر إلى ما أنعم عليك به من النعم ، ومادام العبد المخلوق له كل نعم الخالق الأعلى فلماذا لا يسمع كلمته سبحانه ؟ أيها المخلوق أنت تتربى على مائدة الرحمن وهو خالقك فانظر وتأمل واعرف . { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } وساعة تسمع لفظ الجلالة : أي علم واجب الوجود وهو الله ، فعليك أن تأخذ لفظ الجلالة بكل ما يدل عليه من صفات الجلال وصفات الجمال ما عرفته وما لم تعرفه لأنه سبحانه خلق الكون كله وهو قيُّوم عليه ، وهذا الخلق وتلك القيّومية فعل يقتضي صفات متعددة تقتضي قدرة ، وحكمة ، وعلماً واسعاً ورحمة ، وبسطاً وقبضاً وغير ذلك ، وبدلاً من أن يأتي لك بصفات القدرة ، وصفات الجمال ويذكرها ويعددها لك يقول سبحانه عن نفسه : " الله " لأنه الاسم الجامع لكل صفاته . ونحن نقول في بدء كل عمل : بسم الله ، وفي ذلك إيجاز لما يحتاج إليه أي عمل ، لأن أي عمل يحتاج إلى قدرة ، فتقول : باسم القادر ، ويحتاج إلى علم فتقول : " باسم العليم " ويحتاج إلى حكمة فتقول : " باسم الحكيم " ويحتاج عزة فتقول : " باسم العزيز " وقد تحتاج إلى قهر عدوك لأنك قد تدخل معه في حرب فتقول : " باسم القاهر " إذن كل عمل يحتاج إلى حشد من صفات الكمال والجلال يخدم الفعل ، فبدلاً من أن نقول باسم القادر وباسم الحليم وباسم العليم وباسم القابض ، يوفر عليك سبحانه كل ذلك فتقول : بسم الله ، لأن اسم الجلالة وهو " الله " هو الجامع لكل صفات الكمال . { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } ، فالق أي شاقق ، جاعل الحب والنوى كل منهما فلقتين . " والحب " ما لا نواة له مثيل الشعير والقمح والأرز . وهناك ما له نوى مثل البلح والخوخ ، وتجد في قلب النواة شيئا آخر . وهناك نوع آخر له بذور مثل البطيخ ، وفي كل بذرة تجد فيها شيئا ، فيوضح لك الحق سبحانه وتعالى : إن عظمتي تتجلّى في أنني أخلق الحب وأخلق النوى ، وهناك حبوب مفلوقة جاهزة ، مثل حبة الفول مثلاً وحبة العدس . وأنت إذا ما نظرت إلى هذه العملية وجدت شيئا عجباً ! ! فحين تأتي لنواة البلح أو حبة الشعير ، وتضعها في الأرض في بيئة استخراجها ، وبقليل من الرطوبة ، تجد الفلقتين قد خرج منها نبتة وتكاد النواة أن تنفلق ليخرج منها الزبان الضعيف بين الفلقتين ويتكون ما يسمى بالجذير . وهكذا تجد سرّ الحياة يأتي من الفلقتين ، وإن نزعت هذا الجذير تنتهي الحياة . ولذلك وجدنا من يتعجب حين اقتحم أعشاش النمل ووجد في العش قطعاً صغيرة مفتتة بيضاء بجانب العش ، واكتشفوا أن هذه هي زبانات الحب الذي يدخله النمل للعش ، فلو أن النمل أدخل الحبوب كاملة فقد تأتي لفحة من رطوبة فتكبر هذه الحبة ، وتنمو وتصير شجرة تفتك بالعش ، فمن الذي هدى النمل إلى أن تفعل هكذا ؟ إنه الله . ونجد النمل يفلق حبة نبات " الكزبرة " إلى أربع قطع لأنه لو قطعها إلى اثنتين قد تنبت ، من الذي علمه ؟ إنه سبحانه : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 2 - 3 ] . والعجيب أنك حين ترى النبتة الضعيفة ساعة أن تخرج إلى الحياة وهي التي ستكون من بعد ذلك جذراً إنها هشة وضعيفة إن أمسكتها بيدك تسحقها ، لكنها تخترق قلب الأرض الصلبة التي لو ضربتها بسكين لانكسرت السكين ، لكن الجذير الضعيف يدخل في قلب الصخر والأرض ، فأي قوة أعطته ذلك ؟ أي قوة تخرق له الأرض ؟ وهل الجذير هو الذي خرق الأرض أو خُرِقَت له ؟ لقد خرق الحق الأرض للبذرة لتستخرج منها غذاء للزرع ، إنّها قدرة الحق سبحانه { فَالِقُ ٱلْحَبِّ } الذي ادخر في فلقتين اثنتين قوتاً للنبات إذا مسته رطوبة تتغذى عليها الزريعة إلى أن تربى الجذور ، ويستمد النبات غذاءه من الفلقتين إلى أن يثبت ويتمكن في الأرض ثم تتحور الفلقتان إلى ورقتين خضراوين . ويتابع الحق سبحانه : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } . وحين تأمل العلماء هذا القول وأرادوا أن يوضحوا لنا ما الحي ؟ وما الميت ؟ فات الجميع أن يعرفوا ما هي الحياة ؟ الحياة هي قيام الموجود بما يؤدي به مهمته ، فحياة الإنسان فيها حركة وحس وجري ، ثم هناك حياة ثانية في الحيوان ، وحياة ثالثة في النبات ، وحياة ذات طابع مختلف في الجماد . مثلما علمونا في المدارس حين كان المدرس يمسك بقضيب ممغنط ليجذب برادة الحديد ، حتى الحديد الصلب فيه لون معين من الحياة . وكلنا رأينا في المدارس الأنبوبة الزجاجية التي وضعوا فيها برادة الحديد وكيف تتأثر بقضيب المغناطيس . وتعتدل وتصير في مستوى واحد ، وهكذا نعرف أن الحياة هي الطاقة الموجودة في كل كائن ليؤدي مهمته حتى الأحجار تختلف فيها أشكال الحياة ، فهناك حجر يأخذ شكل الرخام ، وآخر يأخذ شكل المرمر ، وكل لون من الأحجار له شكل من أشكال الحياة . ونقرأ في القرآن : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] . وجاء الحق بمقابل الهلاك وهو الحياة فالهلاك ضد الحياة والحياة ضد الهلاك ، ويقول سبحانه في آية أخرى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] . إذن ما دام كل شيء هالكاً ، فكل شيء فيه حياة ، والخطأ أن تظن أن كل حياة تتشابه في الحس والحركة مع الإنسان ، لا ، إن الحياة في كل شيء بحسبه ، إلى أن تقوم القيامة ، فكل شيء حي له حياة تناسبه ، وحين نسمع : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] . نقول : نعم كل من يسبح بحمده يقول قولاً ، وإياك أن تقول إنّه تسبيح دلالة لأن بعضهم يقول : إن هذا تسبيح دلالة على الخالق ، ونقول : لو أن الذي يقصده الله تسبيح دلالة على خلق لما قال : { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] . إذن : فلا أحد منا يفهم لغة التسبيح ، وعرفنا من قبل حين سمع سليمان عليه السلام قول النملة وتبسم لها ضاحكاً ، وكذلك ما سمعه من الهدهد ، وكذلك تسخير الجبال لتسبح مع داود عليه السلام . { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ الأنعام : 95 ] . إن كل كلمة لها دلالتها ومعناها . فكلمة العلم تدلنا على إحاطة علمه بكل شيء في الوجود ، وكلمة الحكمة تدلنا على أن كل شيء منه يصدر عن حكمة . وكلمة الرزاق تدلنا على أن كل مرزوق في الوجود إنما أخذ من فيضه وخيره ، وهكذا إلى ما لا نهاية لكماله من صفات ذاته . وكلمة " الله " تدل على كل صفات الجلال والجمال والكمال ، فإذا قال : " الله " فهذا الاسم : يشمل القادر ، العالم ، الحكيم ، القدير ، وكل صفات الحق ما علمت منها وما لم تعلم ، ما دامت ذاته سبحانه وتعالى متصفة بكل صفات الكمال ، فالواجب أن يكون كل فعل يصدر عن ذاته المتصفة بالكمال له مطلق القدرة والجمال والكمال . إذن فحين يقول الحق ذلك فإنما يلفتنا إلى أن كل شيء كائن في الوجود إنما هو من خلق الله ، وأن له حياة تناسب مهمته فالإنسان له حياة تناسب مهمته . والحيوان له حياة تناسب مهمته . والنبات له حياة تناسب مهمته . والجماد له حياة تناسب مهمته . وإذا نظرت إلى الأشياء كلها بهذا المعنى وجدت أن كل موجود فيه حياة ، ولكن الحياة الكاملة بكل مقوماتها وجدت في الأعلى من المخلوقات وهو الإنسان ، والله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان الحياة حساً وحركة ، ثم أعطاه حياة أخرى هي التي تُصعّد حياته وتجعل لحياته قيمة لأن حياتنا الني نعيشها إنما يتمتع بها المؤمن والكافر ، وقصارى ما فيها أن تعطينا الحس والحركة قدر عمرنا في الحياة ، ولكن حياة الإيمان بما يبعثه الله لنا من منهج على يد الرسول . تعطينا حياة أوسع ، وأخلد ، وأرغد ، وهذه هي الحياة الحقة ، ولذلك يقول الحق سبحانه : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] . وهذه هي الحياة الحقيقية وقول الحق : { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } هو المقدمة الأولى للحياة ، ثم تكلم عن الحياة وأنه يخرج حياً من ميت ، وهو هنا قد خاطبنا على مقدار أوليات علمنا بالأشياء فالشيء إذا لم يكن له حس وحركة نعتبره ميتاً لكن لو نظرت إلى الحقيقة لوجدت كل شيء في الوجود له حياة . مصداق ذلك قوله جلت قدرته : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] . وما دام كل شيء هَالِكاً فكل شيء قبل أن يهلك كان فيه حياة . والله سبحانه القائل : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 26 - 27 ] . ولماذا جاء في هذه الآية بـ " تخرج " وجاء في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قوله : " ومخرج الميت من الحي " ؟ إنّ الذين بحثوا هذا البحث نظروا نظرة سطحية في المقابلة الجزئية في الآية ، وهي : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } وقال : { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } نسوا أنه سبحانه قال : إنه يخرج الحي من الميت لبيان أن الله فالق الحب والنوى ليخرج الحي من الميت أي أن الله فلق وشق الحب والنوى لأجل أن يخرج الحي من الميت … ثم قال : { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } هو مقابل لفالق فلا تأخذها مقابلة للجزئية في الآية ولأن الاسم يدل على الثبوت ، والفعل يدل على الحدوث فالحق سبحانه وتعالى له صفة في ذاته ، وصفة في متعلقات هذه الذات فهو سبحانه وتعالى رَزّاق ، قبل أن يكون له مخلوق يرزقه . وهو رزاق ، وبعد ما خلق من يرزقه هو رازق لأنه هو الخالق ، والخالق صفة للذات وإن لم يوجد المتعلق ، وهو سبحانه المحيي قبل أن يوجد من يحييه لأن صفته في ذاته أنه يحيي ، ومميت قبل أن يميت من يريد أن يميته لأن الصفة موجودة في ذاته . وسبحانه فالق الحب والنوى أي قبل أن يوجد الحب والنوى الذي يفلقه ، ومخرج الحي من الميت هو صفة ثابتة في ذاته قبل أن يوجد متعلِّقها . وله صفة - أيضاً - بعد أن يوجد المتعلق ، فإن أراد الصفة قبل أن يوجد المتعلَّق جاء بالاسم : " فالق ومخرج " . وإن كان يريد الصفة بعد أن توجد ، يقول : " يخرج " ، " يخرج " . ويذيل الحق الآية : { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ الأنعام : 95 ] . و " ذا " اسم إشارة لما تقدم ، وهو سبحانه فالق الحب والنوى ومن يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي وهو الله . والكاف في قوله : { ذٰلِكُمُ } لمن يخاطبهم وهم نحن ، أما اللام من { ذٰلِكُمُ } فهي للبعد والميم للجمع . فحين يريد الحق أن يخاطب رسوله ، يقول : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ البقرة : 2 ] . ولكنه هنا يخاطبنا فيقول : { ذٰلِكُمُ } إشارة إلى قول الحق سبحانه وتعالى : الله ، وفالق ، ومخرج ، والخطاب لجمهرة المخاطبين بالقرآن . فإذا كان الله بهذه الصفات فكيف ينصرفون عن الإيمان به وتوحيده ؟ وذكر لنا أول مقوم من مقومات الحياة وهو النبات وهو ما نأكله ، فإذا كان الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الحب وخلق النوى ليخرج الحي من الميت وهو مخرج الميت من الحي فهو أولى بأن يكون إلهاً معبوداً فكيف تصرفون عنه ؟ ! وإلى من تصرفون ؟ ! إلى من توجد فيه صفات أرقى من هذه الصفات ؟ ! ! لا يوجد من فيه صفات مثل هذه ، ولا أرقى من هذه الصفات . وإذا سمعت كلمة : " أنَّى " فافهم منها أنها تأتي للتعجيب ، تأتي وتطلب أن يدلنا واحد على كيفية انصرافهم عن الله وتوحيده مع وضوح الدلالات والبراهين . ومرة يقول الحق سبحانه : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 28 ] . هو سبحانه يخاطب الناس ويقول لهم : كيف تكفرون بالله ؟ فالله في ذاته يستحق ألا يكفر به ، لأنه هو الذي خلق من عدم ، وأمدّ من عُدْم ، ولم يشاركه أحد أو ينازعه في هذا الأمر ، وإليه نرجع جميعاً ، فكيف تكفرون به ؟ وهذا تعجيب كبير لذلك يقول سبحانه هنا : { فَأَنَّىٰتُؤْفَكُونَ } أي فكيف تصرفون عن الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون - مع الله - إلها آخر بعد أن تعلموا أن هذه الصفات له - سبحانه - وليست لغيره ؟ وكل تعجيب يأتي في " أنّى " مثل قوله الحق : { أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } [ البقرة : 259 ] . أي كيف يحيي هذه الله بعد موتها ؟ ويقول سيدنا زكريا لسيدتنا مريم : { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } إذن فالتعجب ملازم لكلمة " أنّى " فكأن الصفات التي تقدمت صفات موجبة للإيمان بالله واحداً قهاراً مريداً عالماً حكيماً نرجع إليه جميعاً ، فقولوا لنا : كيف تكفرون بهذا الإله ؟ وإلى من تذهبون إذا كان هذا الإله يُكفر به ؟ أهناك شيء ادّعى أنه خلق وأنه رزق ؟ لو أن شيئاً ادّعى أنه خلق أو رزق كنا نعذركم ، لكن لم يدّع شيء في الوجود بأنه خلق أو رزق ، والدعوة تثبت لصاحبها ما لم يقم لها معارض . { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } وكلمة " أنّى تؤفكون " تعني كيف تُصرفون انصرافاً كذباً لأن " الإفك " . معناه الكذب المتعمّد . ويقول الحق من بعد ذلك : { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ … } .