Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 108-108)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذه آية معجزة أخرى . وقوله : " ونزع " تعني إخراج اليد بعسر ، كأن هناك شيئاً يقاوم إخراج اليد لأنه لو كان إخراج اليد سهلاً ، لما قال الحق : { وَنَزَعَ يَدَهُ } لأنَّ النزع يدل على أن شيئاً يقاوم ، ومثال ذلك قوله الحق : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ … } [ آل عمران : 26 ] . لأن نزع الملك ليس مسألة سهلة ففي الغالب يحاول صاحب الملك التشبث بملكه ، لكن الحق ينزعه من هذا الملك . كذلك قوله : { وَنَزَعَ يَدَهُ } ، وهذا يدل على أن يده لها وضع ، ونزع يده وإخراجها بشدة له وضع آخر ، كأنها كانت في مكان حريص عليها . إذن ففيه لقطة بينت الإِدخال ، ولقطة بينت النزع ، وهما عمليتان اثنتان . وقال سبحانه في آية ثانية : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } [ النمل : 12 ] . و " الجيب " هو مكان دخول الرأس من الثوب ، وإن كنا نسمي " الجيب " في أيامنا مطلق شيء نجعله وعاء لما نحب ، وكان الأصل أن الإِنسان حين يريد أن يحتفظ بشيء ، يضعه في مكان أمامه وتحت يده ، ثم صنع الناس الجيوب في الملابس ، فسميت الجيوب جيوباً لهذا . والحق قال في موضع آخر : { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } [ طه : 22 ] . إذن ففيه إدخال وإخراج ، وكل آية جاءت بلقطة من اللقطات فآية أوضحت دخول اليد في الجيب ، وأخرى أوضحت ضم اليد إلى الجناح ، وثالثة أوضحت نزع اليد ، وهذه لقطات متعددة ، تكوّن كلها الصورة الكاملة لنفهم أن القصص في القرآن غير مكرَّر ، فالتكرير قد يكون في الجملة . لكن كل تكرير له لقطة تأسيسية ، وحين نستعرضه نتبين أركان القصة كاملة . فكل هذه اللقطات تجمِّع لنا القصة . وقلنا قبل ذلك : إن الصراع بين فرعون وموسى لا ينشأ إلا عن عداوة ، وحتى يحتدم الصراع لا بد أن تكون العداوة متبادلة ، فلو كان واحد عدوًّا والثاني لا يشعر بالعداوة فلن يكون لديه لدد خصومة ، وقد يتسامح مع خصمه ويأخذ أمر الخلاف أخذاً هينا ويسامحه وتنفض المسألة . لكن الذي يجعل العداوة تستعر ، ويشتد ويعلو لهيبها أن تكون متبادلة . وتأتي لنا لقطة في القرآن تثبت لنا العداوة من فرعون لموسى ، ولقطة أخرى تثبت العداوة من موسى لفرعون ، فالحق يقول : { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ … } [ طه : 39 ] . هذه تثبت العداوة من فرعون لموسى . ويقول الحق : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً … } [ القصص : 8 ] . وهذه تثبت لأن موسى عدوٌّ لهم . وكلتا اللقطتين يُكمل بعضها بعضاً لتعطينا الصورة كاملة . والحق هنا يقول : { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } [ الأعراف : 108 ] . ونعرف أن موسى كان أسمر اللون ، لذلك يكون البياض في يده مخالفاً لبقية لون بشرته ، ويده صارت بيضاء بحيث ساعة يراها الناس يلفتهم ضوؤها ويجذب أنظارهم ، وهي ليست بيضاء ذلك البياض الذي يأتي في سُمرة نتيجة البرص ، لا لأن الحق قال في آية أخرى : { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } [ طه : 22 ] . وكل لقطة كما ترى تأتي لتؤكد وتكمل الصورة . إذن فقوله : { بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } يدل على أن ضوءها لامع وضئ ، يلفت نظر الناس جميعاً إليها ، ولا يكون ذلك إلا إذا كان لها بريق ولمعان وسطوع ، وقوله : { بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } يؤكد أن هذا البياض ليس مرضاً . ويتابع الحق سبحانه : { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ … } .