Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 12-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال كما يحكي القرآن الكريم : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] . وهكذا كان الموقف استكباراً واستعلاءً . وقوله الحق : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ … } [ ص : 75 ] . ونحن حين نحلل هذا النص ، نجد قوله : { مَا مَنَعَكَ } أي ما حجزك ، وقد أورد القرآن هذه المسألة بأسلوبين ، فقال الحق مرة : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } . وقال مرة أخرى : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } . وهذا يعني أن الأسلوب الأول جاء بـ " لا " النافية ، والأسلوب الثاني جاء على عدم وجود " لا " النافية . وقوله { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } كلام سليم واضح يعني : ما حجزك عن السجود . لكن { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } هي التي تحتاج لوقفة . لذلك قال العلماء : إن " لا " هنا زائدة ، ومَنْ أَحْسَن الأدب منهم قال : إن " لا " صلة . لكن كلا القولين لا ينفع ولا يناسب لأن من قال ذلك لم يفطن إلى مادة " منع " ولأي أمر تأتي ، وأنت تقول : " منعت فلاناً أن يفعل " ، كأنه كان يهم أن يفعل فمنعته . إذن { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } كأنّه كان عنده تهيؤ للسجود ، فجاءت قوة أقوى منه ومنعته وحجزته وحالت بينه وبين أن يسجد . لكن ذلك لم يحدث . وتأتي " منع " للامتناع بأن يمتنع هو عن الفعل وذلك بأن يقنعه غيره بترك السجود فيقتنع ويمتنع ، وهناك فرق بين ممنوع ، وممتنع فممنوع هي في { مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } ، وممتنع تعني أنه امْتنع من نفسه ولم يمنعه أحد ولكنّه أقنعه . وإن كان المنع من الامتناع فالأسلوب قد جاء ليؤكد المعنى الفعلي وهو المنع عن السجود . وهذا هو السبب في وجود التكرار في القرآن . ولذلك قال الحق سبحانه : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ … } [ الأعراف : 12 ] وسبحانه قد أمر الملائكة وكان موجوداً معهم إما بطريق العلو ، لأنه فاق الملائكة وأطاع الله وهو مختار فكانت منزلته عالية ، وإما بطريق الدنو لأن الملائكة أرفع من إبليس بأصل الخلقة والجبلة ، وعلى أي وضع من العلو والدنو كان على إبليس أن يسجد ، ولكنه قال في الرد على ربّه : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] . وسبحانه لم يسأل إبليس عن المقارنة بينه وبين آدم ، ولكن سأله وهو يعلم أزلاً أنّ إبليس قد امتنع باقتناع لا بقهر ، ولذلك قال إبليس : أنا خير منه ، فكأن المسألة دارت في ذهنه ليوجد حيثية لعدم السجود . ولا يصح في عرفه الإبليسي أن يسجد الأعلى للأدنى ، فما دام إبليس يعتقد أنه خير من آدم ويظن أنه أعلى منه ، فلا يصح أن يسجد له . وأعلى منه لماذا ؟ لأنه قال : { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } فكأن النار لها علو ، وهو في ذلك مخطئ تماماً لأن الأجناس حين تختلف فذلك لأن لكل جنس دوره ، ولا يوجد جنس أفضل من جنس ، النار لها مهمة ، والطين له مهمة ، والنار لا تقدر أن تؤدي مهمة الطين ، قلا يمكن أن نزرع في النار . إذن فالخيرية تتأتى في الأمرين معاً ما دام كل منهما يؤدي مهمته ، ولذلك لا تقل : إن هذا خير من هذا ، إنما قل : عمل هذا أحسن من عمل هذا ، فكل شيء في الوجود حين يوضع في منزلته المرادة منه يكون خيراً ، ولذلك أقول : لا تقل عن عود الحديد إنه عود مستقيم ، وتقول عن الخطاف : إن هذا عود أعوج ، لأن مهمة الخطاف تقتضي أن يكون أعوج ، وعوجه هو الذي جعله يؤدي مهمته ، لأن الخيرية إنما تتأتى في متساوي المهمة ، ولكن إبليس قال : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ … } [ الأعراف : 12 ] . قالها للمعاندة ، للكبر ، للكفر حين أعرض عن أمر الله وأراد أن يعدل مراد الله في أمره ، وكأنه يخطِّئ الحق في أمره ، ويردّ الأمر على الآمر . فما كان جزاء الحق سبحانه وتعالى لإبليس إلا أن قال له : { قَالَ فَٱهْبِطْ … } .