Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 131-131)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحسنة إذا أطلقت فهي الأمر الذي يأتي من ورائه الخير . ولكن الحسنة مرة تكون لك ، ومرة تُطْلَب منك ، فالحسنة التي لك في ذاتك أولاً أن تكون في عافية وسلام ، ثم الحسنة في مقومات الذات ومقومات الحياة ، وهي في النبات ، والحيوان ، والخصب والثروة . والحسنة المطلوبة منك هي أيضاً لك . فسبحانه يطلب منك عمل شيء يورِّثك في الآخرة حسنة ، ولذلك يقول سبحانه : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا … } [ الأنعام : 160 ] . وهذه هي الحسنة التي تعطي الإِنسان خيراً فيما بعد . إذن فالحسنة التي في ذاتك من عافية وسلامة أو في مقومات الذات من ثمرات وحيوانات وخصب وأعشاب وثراء فكلها موقوتة بزمن موقوت هو الدنيا . والحسنة الثانية غير محدودة لأن زمنها غير محدود . فأي الحسنات أرجح وأفضل بالنسبة للإِنسان ؟ . إنها حسنة الآخرة . وقوله الحق : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ } أي جاء لهم قدر من الخصب والثمار وغير ذلك من الرزق يقولون : " لنا هذه " أي أننا نستحقها فواحد يقول : أنا أستحقها لأنني رتبت لها وأتقنت الزراعة والحصاد مثلما قال قارون : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰعِلْمٍ عِندِيۤ … } [ القصص : 78 ] . وأجرى عليه الحق التجربة ، فما دام يدعي أنه جاء بالمال على علم من عنده فليجعل العلم الذي عنده يحافظ له على المال أو يحافظ له على ذاته . وهم قالوا عن الحسنات التي يهبها الله لهم : " قالوا لنا هذه " أي نستحقها ، لأننا قدمنا مقدمات تعطينا هذه النتائج . وجرت العادة قديماً بأن يفيض النيل كل سنة يغمر الأرض ، ثم يبذرون الحب وينتظرون الثمار . فإن جاءت لهم سيئة مثل أخذهم الله لهم بالسنين ينسبون ذلك لموسى . { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 131 ] . فإذا ما جاءتهم سيئة يطَّيَّرون أي يتشاءمون لأن الطيرة هي التشاؤم ، وضده التفاؤل ، ويقال : " فلان طائره نحس " ، و " فلان طائره يمن وسعد " . وقديماً حينما كانوا يريدون طلب مسألة ما ، يأتون بطير ويضعه صاحب المسألة على يده ويزجره ويثيره ، فإن طار يميناً فهذا فأل حسن ، وإن طار يساراً فهذا فأل سيئ ، والحق هنا يوضح : لا تظلموا موسى ، لأن شؤمكم أو حظكم السيئ ليس من موسى لأن موسى لا يملك في كون الله شيئاً ، وإنما المالك للكون هو رب موسى . وكأن الحق يريدهم أيضاً ألا يفتنوا في موسى إن صنع شيئاً يأتي لهم بخير ، وهنا يقول لهم لا تتطيروا بموسى ، لأن طائركم من عند الله . ولأن أحداث الحياة صنفان : حدث لك فيه مدخل ، مثل التلميذ الذي لم يذاكر ويرسب ، أو إنسان لا يحسن قيادة سيارته فقادها فعطبت به أو أصاب أحداً إصابة خطيرة ، وهنا لا غريم لهذا الإِنسان ، بل هو غريم نفسه . وهناك شيء يقع عليك ، واسمه حدث قهري ، فالإِنسان في الأحداث بين أمرين اثنين : إما مصيبة دخلت عليه من ذات نفسه لتقصيره في شيء . وإمَّا أحداث قدرية تنزل بالإِنسان ونقول إنها من عند الله لحكمة لا يعرفها الإِنسان لأن الإِنسان ينظر إلى سطحيات الأشياء ، وإلى عاجل الأمر فيها ، ولكنه لا ينظر إلى عاقبة الأمر . ولهذا تحدث له بعض من الأحداث ليس له فيها مدخل . مثال ذلك : أن يكون للإِنسان ابن نجيب وذكي وترتيبه دائماً من العشرة الأوائل ، ثم جاء في ليلة الامتحان أو في يوم الامتحان وأصابه صداع جعله لا يعرف كيف يجيب عن أسئلة الامتحان ورسب ، وهذه مصيبة ليس له مدخل فيها . وعادة ما يحزن الناس من مثل هذه المصائب لكن المؤمن يقول : إن الولد لم يقصر ، وهذا أمر جاء من الله ، وسبحانه منزه عن العبث ، بل حكيم ولا بد أن له حكمة في مثل هذه الأمور . وبعد مدة تتبين الحكمة ، فلو كان الولد قد نجح لأصابته عين الحسود . وحدث له ما يكره ، فكأن الله يصنع له تميمة يحميه بها من الحسد . وقديماً حين كانوا يصنعون للطفل الجميل " فاسوخة " ، ولا يهتمون بنظافته ولا بملابسه ، لماذا ؟ يقال حتى لا تتجه إليه عين العائن الحاسد . وأقول : وما الذي يدريك أن الله سبحانه وتعالى صنع الحادث الطارئ ليرد عنه العين ، ويُسكت الناس عنه ؟ وما الذي يدريك أن الله أراد له أن يرسب هذا العام لأنه لم يكن يستطيع الحصول على المجموع الذي يدخله الكلية التي يريدها ، ثم يستذكر في العام التالي وتكون المذاكرة سهلة بالنسبة له ، ونقول له : احمد ربك على أنك لم تنجح في العام السابق وأن الله أراد بك خيراً … لتبذل جهداً وتنجح وتنال المجموع الذي أردته لنفسك . إذن فالمقادير التي تجري على الناس بدون دخل لهم فيها ، فلله فيها حكمة ، وهنا يقال : { طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } ، أما إن كان للإِنسان دخل فيما يجري له فيقال : طائرك من عندك أنت وشؤمك من نفسك وعصيانك . { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 131 ] . ألم يتطير اليهود في المدينة برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قالوا : قلت الأمطار وارتفعت الأسعار من شؤم مجيء هذا الرجل ، ولم يتفهموا حكم الله . لقد كانوا سادة في الجزيرة لأنهم أهل علم بالكتاب وسيطروا على حركة السوق التجارية ، وتعاملوا في الربا وتجارة السلاح وكان عندهم الحصون ، والأسلحة ، وأراد الله أن يشغلهم بأخذ شيء من أسبابهم ويهد كيانهم ليلفتهم إلى أنهم خرجوا عن المنهج إلى أن هناك رسولاً قد جاء بعودة إلى المنهج . وقوله الحق : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يفيد أن هناك قلة تعلم . فما موقف هذه القلة ، ولماذا لم يرفضوا موقف الكثرة ؟ . كان موقفهم هو الصمت خوفاً من الطغيان لأن الطاغية أجبرهم وقهرهم وجعلهم يسكتون ولا يعترضون على باطل ، ونرى في حياتنا كثيراً من الناس يعلمون الزور ويعلمون الطغيان ولكنهم لا يتكلمون . ويقول الحق بعد ذلك : { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ … } .