Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 143-143)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والميقات هو الوقت الذي يعد لعمل من الأعمال . ونسميه وقت العمل . وغلب على أشياء في الإِسلام ، كمواقيت الحج . ونحن نعلم أن كل عمل وحدث يتطلب أمرين يُظْرَف فيهما ، أي يكونان ظرفاً له فلا بد له من مكان يحدث فيه ، ومن زمان يحدث فيه كذلك ، واسمهما ظرف الزمان ، وظرف المكان . إلا أن ظرف الزمان غير قار أي غير ثابت فقد يأتي الصبح ويذهب ويأتي بعده ، الظهر ، والعصر والمغرب والعشاء . لكن ظرف المكان قار وثابت . والمواقيت - إذن - إمّا أن يتحكم فيها الزمان ، وإمّا أن يتحكم فيها المكان ، وإمّا أن يتحكم فيها المكان والزمان معاً . فإذا أخذنا المواقيت على أنها زمن كل فعل نجد فريضة " الصوم " لها زمن محدد وهو رمضان . فالذي يتحكم في الصوم هو الزمن ، فيكون ويحدث في أي مكان . وكذلك صيام عرفة يتحكم فيه أيضاً الزمان لأنه صيام يوم عرفة ، ومن يجلس في أي مكان يصوم يوم عرفة ولكنه غير مطلوب من الحاج . ولكن الوقوف بعرفة يتحكم فيه المكان والزمان معاً . والإِحرام بالحج أو العمرة يتحكم فيه المكان وهو ما يسمى بالميقات المكاني ولكل أهل جهة ميقاتهم المكاني الذي يطلب منهم ألاَّ يمروا عليه إلاَّ وهم محرمون . فمرة يتحكم الزمان ، ومرة يتحكم المكان ، وثالثة يتحكمان معاً . وجاء موسى لميقاتنا المضروب له بعد أربعين ليلة . وهل جاء موسى للميقات أو جاء في الميقات ؟ لقد جاء في الميقات ، واللام تأتي بمعنى " عند " . ونعلم أن " اللام " تأتي بمعنى " عند " كثيراً في القرآن ، مثل قوله : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ … } [ الإِسراء : 78 ] . أي أقم الصلاة عند دلوك الشمس أي عند زوالها عن وسط وكبد السماء إلى غسق الليل . ومن الدلوك إلى الغسق نجد صلاة الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ، وهذه أربعة فروض ، وبقي الفرض الخامس وهو الفجر ، وقال فيه الحق : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإِسراء : 78 ] . ولماذا بدأ بدلوك الشمس ؟ وهل النهار يبدأ بالظهر أو يبدأ بالصبح ؟ . إن الإسراء والمعراج كانا ليلاً ، ورسول الله جاء صباحاً إلى مكة ، وقد فرضت الصلاة في المعراج ، فكانت أول فريضة هي الظهر ، وكأن الحق يعني خذ الغاية وخذ البداية ، وكانت البداية هي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبقي الفجر ، وجاء فيه : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } . ثم يخص الله رسوله بالتهجد وهو قيام الليل إنه فرض على رسول الله دون غيره ، فإنه بالنسبة لسائر الأمة تطوع . { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ الإِسراء : 79 ] . ومن يتشبه برسول الله فله الثواب الجزيل والأجر العظيم ولكن هذا الأمر مرجعه إلى اختيار المسلم : { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } . وهذه المسألة تحتاج إلى بحث ، وقوله سبحانه : { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } هو قول يدل على أن كلاماً حصل من الله لموسى فكيف يحدث ذلك وسبحانه قد قال في مسألة الكلام بالنسبة للبشر كلاماً عاماً : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ … } [ الشورى : 51 ] . وفي هذا نفي أن يكلم الله البشر . إلا بالوسائل الثلاث : الوحي أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً ، والوحي بالنسبة للأنبياء يكون بإلقاء المعنى في قلب النبي دفعة ، مع العلم اليقيني بأن ذلك من الله عز وجل ، وقد يراد بالوحي الإِلهامات مثل الوحي إلى أم موسى ، والوحي إلى الحواريين ، وكذلك إلى الملائكة ، وقد يراد بالوحي : التسخير كالوحي للأرض ، والنحل . وبعد ذلك … { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } أي أن يسمع كلاماً ولا يرى متكلماً ، { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } هو جبريل عليه السلام . والقرآن لم ينزل إلا بطريقة واحدة ، بواسطة نزول جبريل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فما نزل القرآن بالإِلهام ، وما نزل القرآن من وراء حجاب بل نزل بواسطة رسول من الله وهو جبريل وله علامات . وهنا في كلام موسى نقول إن الكلام وقع فيه من وراء حجاب وهنا نمسك عن الخوض فيما وراء ذلك لأنه غيب لم يكشف لنا عنه ونترك الأمر فيه لله . وقد سبق أن قلنا : إن صفات الله لا يوجد مثلها في البشر . فليس وجود الإِنسان كوجود الله ، وليس غنى الإِنسان كغنى الله ، وكذلك لن يكون أبداً كلامك ككلام الله ، لأن كل شيء يخص الله إنما نأخذه في إطار " ليس كمثله شيء " . وقد بيَّن الحق سبحانه وتعالى أن كلامه لموسى ، تميز لموسى ، ولذلك يقول الحق : { إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي … } [ الأعراف : 144 ] . ويجب أن نأخذ كل وصف يوجد في البشر ، ويوجد مثله . في وصف الله مثل " استوى " ، و " جلس " و " وجه " ، و " يد " نأخذ كل ذلك في إطار " ليس كمثله شيء " . { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ … } [ الأعراف : 143 ] . وحينما خص الله موسى بميزة أن تكلم إليه ، حصل من موسى استشراق اصطفائي ، وكأنه قال لنفسه : ما دام قد كلمني فقد أقدر أن أراه لأن استطابة الأنس تمد للنفس سبل الأمل في الامتداد في الأشياء مثلما قال موسى من قبل رداً على سؤال الله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 17 ] . كان الجواب يكفي أن يقول : " عصا " لكنه قال : { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي … } [ طه : 18 ] . قال ذلك على الرغم من أن الحق لم يسأله : ماذا تفعل بها ؟ وأراد بالكلام أن يطيل الأنس بربه ، وكأنه عرف أنه من غير اللائق أن يكون الجواب مجرد كلمة رداً على سؤال . ولله المثل الأعلى - نجد الإِنسان منا حين يرى طفلاً صغيراً فهو يداعبه ويطيل الكلام معه إيناساً له . وحين وجد موسى أن الله يكلمه استشرفت نفسه أن يراه : { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } . لم يقل موسى : أرني ذاتك . بل قال : { أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } كأنه يعلم أنه بطبيعة تكوينه يعرف أنه لا يمكن أن يرى الله ، لكن إن أراه الله ، فهذا أمر بمشيئة الحق . وقدم موسى الطلب معلقاً بمشيئة الله وإرادته لأنه يعلم أنه غير معد لاستقبال رؤية الله لأن تكوينه لا يقوى على ذلك ، وحتى في الوحي والكلام لم يكلم ربنا الناس مباشرة ، بل لا بد أن يصطفى من الملائكة رسلاً ، ثم تكون مرحلة ثانية أن يصطفى من البشر رسلاً ، ويبلغ الرسل الناس كلام الله لأن الصفات الكمالية العليا الخالقة لا يمكن أن يستوعبها المخلوق . ضربنا المثل من قبل - ولله المثل الأعلى - بصناعات البشر ، وأن الإِنسان حين ينام ليلاً ، قد يستيقظ لأي شيء ، فإذا كانت الدنيا ظلاماً قد يحطم الأشياء التي هي أقل منه أو تحطمه الأشياء التي هي أكثر صلابه منه وإن اصطدم بشيء صغير فقد يكسره ، وإن اصطدم بدولاب أو حائط فقد ينكسر الإِنسان . ولذلك ترك الإِنسان في البيت شيئاً من النور الضئيل ليستفيد من سكون الليل وظلمته ، فيضع ما نسميه " الوناسة " قوة شمعتين أو خمس شمعات ، ولا يقدر أن يركبها على قوة التيار الموجود في المنزل لأنها تفسد فوراً ، لذلك يأتي لها بمحول يأخذ من القوي ويعطي الضعيف . إذن إذا كانت صناعة البشر نجد فيها الضعيف الذي لا يأخذ من القوي إلا بواسطة ، فمن باب أولى أنه لا يمكن أن يتلقى خلق الله عن الله إلا بواسطة . وكانت الواسطة من البشر اصطفاء ومن الملائكة اصطفاء ، فليس كل ذلك صالحاً لهذه المسألة ، فمصطفى من الملائكة يعطي مصطفى من البشر . وبعد ذلك يعطي المصطفى من البشر للبشر . كذلك الرؤية وسيظهر ذلك لنا حينما يعطي الله الدليل على أنه خلقكم لا على هيئة أن تروه الآن ، ولكن حين تبرزون في الآخرة وتعدون إعداداً آخر ، فمن الممكن أن تنالوا شرف رؤيته : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] . ولا يستوي الناس في ذلك لأن المؤمن هو من ينال شرف النظر إلى الله ، أما الكافر فهو محجوب عن رؤية الحق . يقول تعالى في شأن الكفار : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ] فلا يستوي المؤمن والكافر في هذه الحالة ، فما دام الكافر محجوباً فالمؤمن غير محجوب ويرى ربَّه . وقال موسى : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } . قال الحق : { قَالَ لَن تَرَانِي } . وفي اللغة نجد أن " لن " تأتي تأبيدية ، أي تؤبد المستقبل أي لا يحدث ولا يتحقق ما بعدها . فهل معنى ذلك أن قول الحق : { لَن تَرَانِي } أن موسى لن يرى الله في الدنيا ولا في الآخرة ؟ . ونقول : ومن قال إن زمن الآخرة هو زمن الدنيا ؟ إن هذه لها زمن وتلك لها زمن آخر : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] . إذن فزمن الآخرة وإعادة الخلق فيها سيكون أمراً آخر ، يكفي أن أهل الجنة سيأكلون ولن تكون لهم فضلات ، إنه خلق جديد . إن مجيء " لن " في قوله الحق : { لَن تَرَانِي } تأبيدها إضافي ، أي بالنسبة للدنيا ، وفيها تعليل لعدم قدرة موسى على الرؤية ، وأضاف سبحانه : { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً … } [ الأعراف : 143 ] . وسبحانه هنا يعلل لموسى بعملية واقعية فأوضح : لن تراني ولكن حتى أطمئنك أنك مخلوق بصورة لا تمكنك من رؤيتي انظر إلى الجبل ، والجبل مفروض فيه الصلابة ، والقوة ، والثبات ، والتماسك فإن استقر مكانه ، يمكنك أن تراني . إن الجبل بحكم الواقع ، وبحكم العقل ، وبحكم المنطق أقوى من الإِنسان ، وأصلب منه وأشد ، ولما تجلّى ربه للجبل اندك . والدكُّ هو الضغط على شيء من أعلى ليسوَّى بشيء أسفل منه . والحق هو القائل : { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } [ الفجر : 21 ] . وهنا في موقف موسى وحواره مع الله يتأكد لنا أن الله تجلى على خلق من خلقه ، ولكن أيقدر المتجلَّى عليه على هذا التجلي أم لا يقدر ؟ . إن أقدره الله فهو يقدر ، أما إن لم يقدره الله فلن يقدر . والجبل هو الأصلب ، فلما تجلى له ربه اندك ، إذن فمن الممكن أن يتجلى الله على بعض خلقه ، ولكن المهم أيقوى المستقبل للتجلي أو لا يقوى ؟ ولم تقو طبيعة موسى على التجلي لله بدليل أن الأقوى منه لم يقو . وبعد ذلك أراد الله أن يلفتنا لفتة تصاعدية . ويبين لنا أن موسى قد صعق لرؤية المتجلَّى عليه فكيف لو رأى المتجلِّي ؟ ! ! { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } . ويقال : خر الشيء إذا سقط من أعلى إلى أسفل ، ويقول الحق في آية قرآنية : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً } [ ص : 24 ] . والحق يخبرنا هنا : { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } ، وصعقه تُطلق ويراد بها الوفاة ، ولكن هنا صعقة أخرى تعبر عن الإِغماءة الطويلة . وصعقة الوفاة يقول فيها الحق سبحانه : { فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] . إذن النفخة الأولى لصعق وموت الجميع ، ثم تأتي النفخة الثانية للبعث . وهنا يقول الحق : { فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ } . وهذا يدل على أن الصعقة ليست هي الصعقة المميتة ، وأفاق سيدنا موسى من الصعقة ، وانتبه إلى أنه لم يكن من اللائق أن يطلب الرؤية المباشرة لله . وكما نقول : " فلان فاق لنفسه " وهنا " أفاق " موسى على حاجتبن اثنتين ، أفاق من الغشية التي حصلت له من الصعقة ، وكأنَّه تساءل : لماذا انصعقت ؟ لقد انصعق لأنه سأل ربنا ما ليس له به علم : { فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ } ، وساعة تسمع كلمة " سبحانك " اعرف أنَّه يراد بها التنزيه لله من الحدث الذي نحن بصدده وهو رؤيته - تعالى - أي تنزيهاً لك يا رب أن يراك مخلوقك لأن الرؤية قدرة بصر على مرئي ، ومعنى : " رأيت الشيء " أي أن عين البشر قد قدرت على الشيء ، ولو أننا نحن المخلوقين رأينا الله بقانون الضوء ، فهذا يعني أن أبصارنا تقدر على ربنا وهذا لا يمكن أبداً لأن المقدور لا ينقلب قادراً ، والقادر لا ينقلب مقدوراً . { فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأعراف : 143 ] . وتوبة موسى هنا من أنه سأل الله ما ليس له به علم ، ولأنه لم يقف عند التجليات المخالفة لنواميس الكون ، وأنَّ ربنا قد أعطاه بدون أن يسأل ، لقد كلمه الله ، فلماذا يُصعد المسألة ويطلب الرؤية ؟ ولماذا لم يترك الأمور للفيوضات التي يعطيها الله له ويتنعم بفيض جود لا ببذل مجهود ؟ . ويقرر موسى ويقول : { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي بأنّ ذاتك - سبحانك - لا يقدر مخلوق أن يراها ويدركها . لقد شعر موسى ببعض من انكسار الخاطر لأنه طمح إلى ما يفوق استطاعته وقال : { سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وكأنه قد فهم ما أوضحه الحق له : لا تلتفت إلى ما منعتك ، ولكن انظر إلى ما أعطيتك : { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي … } .