Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 144-144)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والاصطفاء هو استخلاص الصفوة ، وقوله : { ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ } تعبير فيه دقة الأداء أنه لو قال اصطفيتك فقط ، ولم يقل على الناس ، فقد يُفهم الاصطفاء على الملائكة أيضاً . ولكن الاصطفاء هنا محدد في دائرة الاصطفاء البشري : { إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } . ولقائل أن يقول : إن الحق اصطفى غيره أيضاً من الرسل ، والحق هو القائل : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً … } [ آل عمران : 33 ] . ونقول : هناك فرق بين اصطفاء رسالة منفردة ، وبين اصطفاء في رسالة ومعها شيء زائد ، وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - إذا جئت كمدرس لتلاميذ وأعطيت واحداً منهم هدية عبارة عن قلم كمكافأة ، ثم أعطيت الثاني قلماً وزجاجة حبر ، أنت بذلك اصطفيت التلميذ الأول بهدية القلم ، واصطفيت الآخر باجتماع قلم وزجاجة حبر في هدية واحدة . والاصطفاء هنا لموسى بالرسالة كما اصطفى غيره من الرسل بالإضافة إلى شرف الكلام : { ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } . وعرفنا من قبل أن " رسالاتي " هي في مجموعها رسالة واحدة ، ولكن الرسالة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم استمرت جزئياتها ثلاثاً وعشرين سنة في النزول ، فكأن كل نجم رسالة ، أو كل باب من أبواب الخير رسالة ، فهي رسالات متعددة ، أو أن رسالته جمعت رسالات السابقين : { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [ الأعراف : 144 ] . أي لا تنظر إلى ما منعتك ، بل اذكر أني اصطفيتك وكلمتك وعليك أن تشكر لي هذا . ولذلك يجب على الإِنسان المؤمن حين يتلقى قضاء الله فيه أن ينظر دائماً إلى ما بقي له من النعم . لا إلى ما سلب عنه من النعم . ولذلك نجد المؤمن المتفاءل ينظر إلى الكوب الذي نصفه مملوء بالماء فيقول : الحمد لله نصف الكوب ملآن . أما المتشائم فيقول : إن نصف الكوب فارغ ، وبرغم أن كُلاًّ منهما يقرر الحقيقة إلا أن المؤمن المتفائل نظر إلى ما بقي من نعم الله . إننا نجد ابن جعفر حين ذهب للخليفة الأموي في دمشق وجرحت رجله في أثناء السير من المدينة إلى دمشق ، ولم تكن هناك عناية طبية فتقيحت ، وحين أحضروا له الأطباء وقرروا قطع رجله ، قال بعض الحاضرين : التمسوا له مرقداً أي دواء تخدير يجعله لا يحس بالألم ، فقال : لا ، فإني لا أريد أن أغفل عن ربي لحظة عين ، فلما قطعوها أخذوها ليدفنوها ، فقال هاتوها . فأحضروها له وأمسك بها وقال : اللهم إن كنت قد ابتليت في عضو فقد عافيت في أعضاء . هذه نظرة المؤمن الذي لا ينظر إلى ما أُخذ منه بل ينظر إلى ما بقي له . وكذلك كان توجيه الحق لموسى عليه السلام ، فقد أوضح له : لا تنظر إلى أني منعتك الرؤية ، لا ، بل انظر الاصطفاء وشرف الكلمة إلى الخالق واشكر ذلك . ويقول الحق بعد ذلك : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ … } .