Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 146-146)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والآيات جمع آية وهي الأمر العجيب ، وتطلق ثلاث إطلاقات ، فإما أن تكون آية كونية مثل قوله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ آل عمران : 190 ] ، وإما أن تكون آية دلالة على صدق الرسول في البلاغ ، وإما أن تكون آية قرآنية فيها حكم من أحكام الله ، وهنا يقول الحق : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ … } [ الأعراف : 146 ] . إذن يوضح سبحانه هنا أنه سيصرف الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق عن أن ينظروا نظر اعتبار في آيات الكون ، أو أن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق سيبطل كيدهم في أن يتجهوا للحق بالهدم لأن الواحد من هؤلاء ساعة يرى آية من آيات الله سينظر إليها على أنها سحر ، أو شعوذة ، أو أن يقول عنها إنها ضمن أساطير الأولين . إذن وجه الصرف أن يسلط الحق عليه من الكبر ما يجعله غير قادر على وزن الآية بالميزان الصحيح لها ، والمتكبر هو من ظن أن غيره أدنى منه وأقل منزلة ، ومقومات الكبر قد تكون قوة ، لكن ألم يرَ المتكبر قويّاً قد ضعف ؟ وقد يكون الثراء من مقومات التكبر ، لكن ألم يرَ المتكبر غنيّاً قد افتقر ؟ أو يكون المتكبر صاحب جاه ، ألم يرَ ذا جاه صار ذليلاً ؟ . إذن فمن يتكبر ، عليه أن يتكبر بشيء ذاتي لا يُسْلَب منه أبداً . فإذا ما أردت أن تطبق هذا على البشر فلن تجد واحداً يستحق أن يكون متكبراً أبداً لأنه لا يوجد في الإِنسان خاصية ذاتية فيه تلازمه ولا تفارقه أبداً ، بل كلها موهوبة ، ومن الأغيار التي تحدث وقد تزول . فكلها من الله وليست أموراً ذاتية لأن القوة فيك إن كانت ذاتية فحافظ عليها ، ولن تستطيع . وإن كان الثراء ذاتيًّا فحافظ على غناك أبداً ، ولن تستطيع . وإن كانت العزة ذاتية فحافظ على عزتك أبداً ولن تستطيع . إذن فمقومات الكبرياء في البشر غير ذاتية . وقوله سبحانه : { يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } يفيد أن هناك كبرياء بحق لمن يملك في ذاته كل عناصر القوة والثراء والجاه والعزة ، ولذلك فالكبرياء لله وحده . واعلموا أن كل متكبر في الأرض لا يخطر الله بباله لأنه لو خطر الله بكماله وجلاله في باله لتضاءل لأن الله يخطر فقط ببال المتواضعين من الناس ، ولذلك نضرب هذا المثل : إننا نجد من حولنا إنساناً هو الرئيس الأعلى ، وهناك رئيس لطائفة ومرؤوس لآخر ، وهناك مرؤوس فقط . والرئيس المرؤوس لا يستطيع أن يجلس مع المرؤوسين له بتكبر ويضع ساقاً على ساق ويعطي أوامر لأنه قد يلتفت فيجد رئيسه وقد دخل عليه . فلو فعل الرئيس المرؤوس ذلك لضحك منه المرؤوسون له . فكذلك الناس الذين لا يستحضرون الله في بالهم نجدهم مثار سخرية ، لكن الذين يستحضرون الله الذي له الكبرياء في السماوات والأرض لا يتكبرون أبداً . إنه سبحانه يصرف عن المتكبرين النظر في الآيات الكونية فلا يعتبرون ، ويصرف عنهم تصديق الآيات الدالة على نبوة الأنبياء ، ويصرف عنهم القدرة على تصديق أحكام القرآن ، ويطبع على قلوبهم ، فما بداخل هذه القلوب من الكفر لا يخرج ، وما في خارج هذه القلوب من الإِيمان لا يدخل . وهم برغم حركتهم في الحياة إلا أن الحق يعجزهم عن رؤية آياته في الكون . { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً … } [ الأعراف : 146 ] . وحين يرى أهل الكبر الآية الكونية أو الآية الإِعجازية أو آيات الأحكام فهم لا يؤمنون بها ، وحين يرون سبيل الرشد لا يتخذونه سبيلاً لأن سبيل الرشد يضغط على شهوات النفس وهواها ، فينهى عن السيئات وهم لا يقدرون على كبح جماح شهواتهم لأنها تمكنت منهم ، ولكن سبيل الغي يطلق العِنان لشهوات النفس ، ولا يكون كذلك إلا إذا غفل عن معطيات الإِيمان الذي يحرمه من شيء ليعطيه أشياء أثمن ، وهكذا تكون نظرة أهل الكبر سطحية . ونلحظ أن كلمة السبيل تأتي مرة كمذكر كقوله { لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } ، ومرة تأتي مؤنثة ، فالحق يقول : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي } . وهنا يقول الحق عن الذين يتبعون سبيل الغي من أهل الكبر : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } . وقديماً قلنا إن الغفلة لا توجب الجزاء عليها لأن الغافل ساهٍ وناس ، ولكن هؤلاء صدفوا عن الأمر صدوفاً عقليًّا مقصوداً ، لدرجة أنهم لا يعيرون الإيمان أي التفات . ويقول الحق بعد ذلك : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ … } .