Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 147-147)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقد جاء لفظ الآيات هنا أكثر من مرة ، فقد قال الحق : { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } . ويقول أيضاً : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } . ويقول سبحانه : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } . إذن فالمسألة كلها مناطها في الآيات الكونية للاستدلال على من أوجدها ، والإِعجازية للاستدلال على صدق مَنْ أرسل من الرسل ، والقرآنية لأخذ منهج الله لتقويم واستواء حركة الإِنسان . { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ … } [ الأعراف : 147 ] . ويقال : حبط الشيء أي انتفخ وورم من علة أو مرض . أي أنهم في ظاهر الأمر يبدو لهم أنهم عملوا أعمالاً حسنة ولكنها في الواقع أعمال باطلة وفاسدة ، وقد يوجد من عمل عملاً حسناً نافعاً للناس ، ولكن ليس في باله أنه بفعل ذلك إرضاء لله ، بل للشهرة لينتشر ذكره ويذيع صِيتُه ويثني الناس عليه ، أو للجاه والمركز والنفوذ . ولذلك حين " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من الشهيد ؟ . قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . لأن الرجل قد يقاتل حمية ، أو ليعرف الناس مثلاً أنه شجاع . إذن فهناك من يعمل عملاً ليفتخر به . ويقال مثلاً : إن الكفار هم من اكتشفوا الميكروب وصعدوا إلى الفضاء . ونقول : نعم لقد أخذوا التقدير من الناس لأن الناس كانت في بالهم ، ولن يأخذوا التقدير من الله لأنهم عملوا أعمالهم وليس في بالهم الله . والإِنسان يأخذ أجره ممن عمل له ، والله سبحانه وتعالى لن يضيع أجر أعمالهم الحسنة ، بل أعطى لهم أجورهم في الدنيا ، لكن حرث الآخرة ليس لهم . { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا … } [ الشورى : 20 ] . فمن زرع وأحسن اختيار البذور ، واختيار التربة وروى بنظام يأتي له الزرع بالثمر لأنه أخذ بالأسباب ، وهذا اسمه عطاء الربوبية وهو عطاء عام لكن مَن خلق الله ، مؤمناً كان أو كافراً ، عاصيًّا أو طائعاً ، لكن عطاء الألوهية يكون في اتباع المنهج بـ " افعل ولا تفعل " وهذا خاص بالمؤمنين ، فإذا ما أحسنوا استعمال أسباب الحياة في السنن الكونية . يأخذون حظهم منها ، والكافرون أيضاً يأخذون حظهم منها إذا أحسنوا الأخذ بالأسباب ويكون ذلك بتخليد الذكرى وإقامة التماثيل لهم . وأخذ المكافآت والجوائز وحفلات التكريم . أما جزاء الآخرة فيأخذه من عمل لرب الآخرة ، أما من لم يفعلوا من أجل لقاء الله فهو سبحانه يقول في حقهم : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] . وكذلك يقول : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً … } [ النور : 39 ] . فالكافرون مثلهم مثل الظمآن الذي يسير في صحراء ويخيل له أن أمامه ماء ، ويمشي ويمشي فلا يجد ماء . أما غير الظمآن فلا يهمه إن كان هناك ماء أو لا يوجد ماء ، فالظمآن ساعة يرى السراب يمني نفسه بأن المياه قادمة وأنه سيحصل عليها . { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً … } [ النور : 39 ] . وليس المهم أنه لم يجده شيئاً ، بل يفاجأ : { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ } . إنه يفاجأ بأن الإِله الذي كان لا يصدق بأنه موجود يجده أمامه يوم القيامة فيوفيه حسابه ويجزيه على عمله القبيح . إذن فإن عمل الإِنسان عملاً فلينتظر الأجر ممن عمل له ، وإن عمل الإِنسان عملاً وليس في باله الله فعليه ألاّ يتوقع الأجر منه ، وعلى الرغم من ذلك يعطي الله لهؤلاء الأجر في قانون نواميس الحياة الكونية لأن من يحسن عملاً يأخذ جزاءه عنه . { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 147 ] . هم إذن كذبوا بآيات الله ، وكذبوا باليوم الآخر ، ولم يعملوا وفق منهج الإِيمان ، فلهم جزاء وعقاب من الحق الذي أنزل هذا المنهج ، ولكنّهم أعرضوا عنه وكذبوه . ولذلك يقول سبحانه : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103 - 104 ] . ويقول الحق بعد ذلك : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ … } .