Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 154-154)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهل للغضب سكوت ؟ هل للغضب مشاعر حتى يسكت ؟ نعم لأن الغضب هيجان النفس لتعمل عملاً نزوعياً أمام من أذنب ، فكأن الغضب يلح عليه ، ويقول للغاضب : اضرب ، اشتم ، اقتل . كأن الغضب قد مُثِّل وصُوِّر في صورة شخص له قدرة إصدار الأوامر ، فشبَّه الله الغضب بصورة إنسان يلح على موسى في أن يفعل كذا ، ويفعل كذا ، فلما قال الله ذلك كأن الغضب قد سكت عنه . أو هو كما قال إخواننا العلماء : من القلب في اللغة ، أي أنه يقلب المسألة ، اتكالاً على أن فطنة السامع سترد كل شيء إلى أصله كما نسمع في اللغة : خرق الثوبُ المسمارَ ، نفهم من هذا القول أن المسمار هو الذي قام بخرق الثوب لأننا لن نتخيل أنّ الثوب يخرق مسماراً . ويسمى ذلك " القلب " أي أن يأتي بمسألة مقلوبة تفهمها فطنة السامع . أو أن المسمار مستقر في مكانه ، والثوب هو الذي طرأ عليه فانخرق ، فيكون سبب الخرق من الثوب ، فكأن الفاعلية الحقيقية من الثوب : { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } . أو تكون كلمة سكت كناية عن أن الغضب زال وانتهى . { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [ الأعراف : 154 ] . وأول عمل قام به موسى ساعة أن كان غضبان أسفاً أنه ألقى الألواح ، وأول ما ذهب الغضب عنه وزايله أخذ الألواح ، وهذا أمر منطقي ، فالغضب جعله يلقي الألواح ، ويأخذ برأس أخيه ، ثم فهم ما فعله أخوه واعتذر به فقبل عذره ، وطلب من الله أن يغفر له ، وأن يغفر لأخيه وانتهى الغضب وكانت الألواح ملقاة فأخذها ثانية . { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [ الأعراف : 154 ] . النسخة من الكتاب مأخوذة من الشيء المنسوخ أي المنقول من مكان إلى مكان ، ويقال : نسخت الكتاب الفلاني من الكتاب الفلاني … أي أن هناك كتاباً مخطوطاً ثم نقلناه بالطباعة أو بالكتابة إلى نسخة أو عدد من النسخ ، أي أخذته من الأصل إلى الصورة ، واسمه منسوخ ، وكلمة نُسخة على وزن " فُعْلَة " وتأتي بمعنى مفعولة ، فنسخة تعني منسوخة ، وفي القرآن مثل هذا كثير . والحق سبحانه وتعالى قال : { إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ … } [ البقرة : 249 ] . و " غُرْفة " أي مغروفة ، وهي القليل من المياه في اليد لتبل الريق فقط ، والغرفة أيضاً تكون في البيوت لأنها مكان مقتطع من مكان آخر ولها جدران تحددها . واسمها غرفة لأنها مغروفة من المكان في حيز مخصوص . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ } . و " هدى " المقصود بها المنهج الموصل للغاية في " افعل " و " لا تفعل " . إنّه يوصل للغاية وهي ثواب الآخرة . إذن فالهدى والرحمة شيء واحد له طرفان ، فالهدى هو المنهج الذي إن اتبعته تصل إلى الرحمة ، ولذلك يقول الحق : { هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } . وهكذا نجد المنهج هدى ورحمة ، فمن يسمع كلام الله ويتبعه يهتدي ويرحمه ربنا لأنه جعل الله في باله ، وخاف من صفات الجبارية في الحق ، ولهذا لا بد أن يستحضر الإِنسان أو المؤمن رهبته لربه وخوفه منه - سبحانه - ليكون المنهج هدى ورحمة له . ويكون من الذين يرهبون ربهم . وساعة ترى المفعول تقدم في مثل قوله سبحانه هنا : { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [ الأعراف : 154 ] . نفهم أن هذا هو ما يسمى في اللغة " اختصاص " وقَصْر مثلما قال الحق في فاتحة الكتاب : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } . وما الفرق بين { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } و " نعبدك " ؟ إن قلنا : " نعبدك " فهو قول لا يمنع من العطف عليه ، فقد نعبدك ونعبد الشركاء معك لكن قولنا : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي خصصناك بالعبادة وقصرناها عليك سبحانك فلا تتعدى إلى غيرك . إذن حين تقدم المفعول فهذا هو عمل الاختصاص . ومثال ذلك في حياتنا حين نقول : " أكرمتك " ، ولا مانع أن نقول بعدها " وأكرمت زيداً وأكرمت عمراً " . لكن إن قلت : إياك أكرمت ، فهذا يعني أني لم أكرم إلا إياك . وهنا يقول الحق : { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } . ولقائل أن يقول : ألا يمكن أن يدعي أحد الرهبة ظاهراً وأنه ممتثل لأمر الله رياء أو سمعة حتى يقول الناس : إن فلاناً حسن الإِسلام ، ويأخذون في الثناء عليه ؟ ولكن هنا نجد التخصيص الذي يدل على أن العبد لا يرهب أحداً غير الله ، وأن الرهبة خالصة لله ، وليست رياء ، ولا سمعة ، ولا لقصد الثناء . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ … } .