Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 164-164)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وحينما تجد أن طائفة قالت قولاً ، فلا بد أن هناك أناساً قيل لهم هذا القول . إذن ففيه " قوم واعظون " ، و " قوم موعوظون " ، و " قوم مستنكرون وعظ الواعظين " . وهكذا صاروا ثلاث فرق : الذين قالوا وعظاً لهم : لماذا لا تلتزمون بمنهج الله ؟ هؤلاء هم المؤمنون حقاً . وقالوا ذلك لأنهم رأوا من يخالف منهج الله . والذين لاموا الواعظين هم الصلحاء من أهل القرية الذين يئسوا من صلاح حال المخالفين للمنهج . وحين ندقق في الآية : { وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ … } [ الأعراف : 164 ] . نعلم أن القائلين هم من الذين لم يعتدوا ، ولم يعظوا وقالوا هذا التساؤل لمن وعظوا لأنهم رأوا الوعظ مع الخارجين على منهج الله لا ينفع . كما قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } . هنا يسأل الحق رسوله : ولماذا تُحزن نفسك وتعمل على إزهاق روحك . وهنا قال بعض بني إسرائيل : لم تعظون هؤلاء المغالين في الكفر ، لماذا ترهقون أنفسكم معهم ، إنهم يعملون من أجل أن يعذبهم الله . وماذا قال الواعظون ؟ : { قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . وما هي المعذرة إلى الله ؟ . يقال : عذرك فلان إذا كنت قد فعلت فعلاً كان في ظاهره أنه ذنب ثم بينت العذر في فعله ، كأن تقول : لقد جعلتني انتظرك طويلاً وتأخرت في ميعادك معي . انت تقول ذلك لصديق لك لأنه أتى بعمل مخالف وهو التأخر في ميعادٍ ضربه لك . فيرد عليك : تعطلت مني السيارة ولم أجد وسيلة مواصلات ، وهذا عذر . إذن فمعنى " العذر " هو إبداء سبب لأمر خالف مراد الغير . ولذلك يقال : أعذر من أنذر ، والحق يقول : { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ … } [ التوبة : 90 ] . ونعلم أيضاً أن هناك مُعْذِراً . ومُعذِّراً . والمُعَذِّر هو من يأتي بعذر كاذب ، والمُعْذِر هو من يأتي بعذر صادق . وقال الواعظون : نحن نعظهم ، وأنتم حكمتم بأن العظة لا تنفع معهم لأنهم اختاروا أن يهلكهم الله ويعذبهم ولكنا لم نيأس ، وعلى فرض أننا يئسنا من فعلهم ، فعلى الأقل نكون قد قدمنا لربنا المعذرة في أننا عملنا على قدر طاقتنا . وكلمة " وَعْظ " تقتضي أن نقول فيها : إن هناك فارقاً بين بلاغ الحكم ، والوعظ بالحكم فالوعظ أن تكرر لموعوظ ما يعلمه لكنه لا يفعله . كأن تقول لإِنسان : قم إلى الصلاة ، هو يعلم أن الصلاة مطلوبة لكنه لا يقوم بأدائها . إذن فالوعظ معناه تذكير الغافل عن حكم ، ومن كلمة الوعظ نشأت الوعَّاظ . وهم من يقولون للناس الأحكام التي يعرفونها ، ليعملوا بها ، فالوعاظ إذن لا يأتون بحكم جديد . وبعض العلماء قال : إن قول الحق : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } ليس مراداً به الفئة التي لم تفعل الذنب ولم تعظ ، إنما يراد به الفئة الموعوظة ، كأن الموعوظين قالوا : إن ربنا سيعذبنا فلماذا توعظوننا ؟ . ونقول : لا لأن عجز الآية ينافي هذا . فالحق يقول : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . ومجيء " لعلهم " يؤكد أن هذا خبر عن الغير لا أنَّه من الموعوظين . ويقول الحق بعد ذلك : { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ … } .