Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 163-163)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا سؤال عن القرية التي كانت حاضرة البحر ، ونعلم أن القرية الأولى التي دخلوها هي " بيت المقدس " ولم تكن على البحر ، والقرية التي كانت على البحر هي " أيلة " أو " مدين " أو " طبرية " ، المهم أنها كانت " حاضرة البحر " أي قريبة من البحر ومشرفة عليه لأننا نقول فلان حضر ، أي كان بعيداً فاقترب . فمثل الإِسكندرية يمكن أن نسميها حاضرة البحر . وقوله : " واسألهم " والسؤال هنا موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوجه السؤال إلى أهل الكتاب ، ويطلب منهم أن ينظروا في كتبهم ليعرفوا أن ما يقوله هو وحي من الله إليه لأنهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلس إلى معلم ، ولم يقرأ في كتاب ، وإنما علّمه من أرسله ، إنّه صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يَعْلَم منهم ، بل يريد أن يُعْلِمَهم أنه يعلم ، وهم يعلمون أنه لا مصدر له كعلم سائر البشر لا جلس على معلم ولا قرأ في كتاب ولذلك تجد " ماكُنَّات " القرآن أي قوله الحق : " ما كنت " و " ما كنت " و " ما كنت " مثل قوله : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ … } [ القصص : 44 ] . ومثل قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا … } [ القصص : 45 ] . ومثل قوله تعالى : { … وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ] . إذن فأنت يا رسول الله لم تكن معهم لتقول ما حدث وحصل لهم ، بل إن ذلك موجود عندهم في كتبهم ، إذن فالذي علمك هو من أرسلك . كذلك هنا مصداقاً لقوله تعالى : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] . وفي هذا القول أمر من الله سبحانه وتعالى أن يخبرهم أنه سبحانه قد علمه وأعلمه بما لا يستطيعون إنكاره ليتيقنوا أن الله يعلمه ليؤمنوا به . { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ … } [ الأعراف : 163 ] . وكلمة " واسألهم " تحل لنا إشكالات كثيرة ، مثال ذلك حديث الإِسراء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء بصلاة إبراهيم . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي ، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كرباً ما كربت مثله قط ، فرفعه الله إليّ أنظر إليه ، ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، وإذا موسى قائم يصلي وإذا هو رجل جعد كأنه من رجال شنوءة ، وإذا عيسى قائم يصلي أقرب الناس شبهاً به عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم قائم يصلي أقرب الناس شبهاً به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت قال قائل : يا محمد هذا مالك خازن جهنم فالتفت إليه فبدأني بالسلام " . وتأتي آية في القرآن تقول : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ … } [ الزخرف : 45 ] . والأمر لرسول الله عليه الصلاة والسلام أن يسأل رسل الله من قبله ، ومتى يسألهم ؟ لا بد أن توجد فرصة ليلتقوا فيسأل . إذن حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه التقى بالأنبياء وكلمهم وصلى بهم فالخبر مصدق لأنه قد أدى أمر الله : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْر } . والسؤال هنا سؤال للتقرير والتقريع والتوبيخ : وما قصة القرية التي كانت حاضرة البحر ؟ لقد قلنا إن حاضرة البحر أي القريبة من البحر ، ونفهم أن ما تتعرض له الآية من سؤالهم يشير إلى أنّ للبحر فيه مدخلاً لأن المسألة متعلقة بالحيتان والسمك والصيد لذلك لا بد أن تكون بلدة ساحلية . { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [ الأعراف : 163 ] . وحيتان جمع حوت ، مثلما يجمعون " نُوناً " - وهو الحوت أيضاً - على " نينان " وهو صنف من الأسماك . لقد حرم الله عليهم العمل في يوم معين لينقطعوا فيه للعبادة وهو يوم " السبت " ، وما زالت عندهم بعض هذه العادات ، حتى إن واحداً منهم زار أمريكا ورفض أن يركب سيارة يوم السبت لأنه يوم عطلة ، ورفض كذلك أن يعمل حتى جاء اليوم التالي . وشاء الحق سبحانه أن يؤدبهم حينما ارتكبوا أشياء مخالفة للمنهج ، وسلب منهم وقتاً للعمل وقال : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ … } [ النساء : 160 ] . وفي هذه مُثُل وعِبَر لأي منحرف ، ولكل منحرف نقول : إياك أن تظن أنك بانحرافك عن منهج الله ستأخذ أشياء من وراء ربنا وتسرقها ، لا لأن ربنا قادر أن يبتيله بعقاب يفوق ما أخذ آلاف المرات ، فالمرتشي مثلاً يفتح له الله أبواباً من الأمراض ومن العلل ومن المصائب فيضيع عليه كل شيء أخذه . إذن فقد استحل بنو إسرائيل أشياء محرمة ، فابتلاهم الله بأن يحرمهم من أشياء كانت حلالاً لهم . وهكذا نرى أن ما وقع عليهم من عقاب كان بظلمهم لأنفسهم لأنهم انشغلوا بالدنيا وبالمادة ، فحرم عليهم العمل في يوم السبت ، وهؤلاء الذين كانوا يقيمون قريباً من حاضرة البحر يبتليهم الله البلاء العظيم ، ويرون السمك في المياه وهو يرفع زعانفه كشراع المركب ، وتطل عليهم أشرعة الحيتان وهم في بيوتهم ، وهذا ابتلاء من ربهم لهم وعقاب لأنهم ممنوعون من صيده ، ويرون هذا السمك أمامهم في يوم السبت ، لكن في بقية الأيام التي يباح فيها العمل ، كيوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة لا تظهر لهم ولا سمكة واحدة : { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } . وهنا قالوا : ما دام ربنا قد حرم علينا أن نصطاد يوم السبت فعلينا أن نحتال . وصنعوا كيساً من السلك المضفر والذي نسميه " الجوبية " وهم أول من صنعوا هذه الجوبية بشكل خاص ، ويدخل السمك فيها ولا يستطيع الخروج منها ، فيأتي السمك يوم السبت في الجوبية ويستخرجونه يوم الأحد . وفي هذا اعتداء . أو يصنعون حوضاً له مدخل وليس له مخرج وفي هذا مكر . وتمكر لهم السماء بحيلة أشد . لقد أراد الله ابتلاءهم لأنهم فسقوا عن المنهج . وخرجوا عن الطاعة ، واستحلوا أشياء حرمها الله لذلك يحرم الله عليهم أشياء أحلها لغيرهم . ويقول الحق بعد ذلك : { وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ … } .