Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-175)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولأنهم قالوا : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] ، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يعطينا خبر هؤلاء فيقول : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الأعراف : 175 ] . والنبأ هو الخبر المهم وله جدوى اعتبارية ويمكن أن ننتفع به وليس مطلق خبر . ولذلك يقول سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [ النبأ : 1 - 2 ] . كما يقول : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } [ الأعراف : 175 ] ، كأن هذا النبأ كان مشهوراً جداً ، ويقال : إنه قد قيل في " ابن باعوراء " أو أمية بن أبي الصلت ، أو عامر الراهب ، أو هو واحد من هؤلاء ، والمهم ليس اسمه ، المهم أنّ إنساناً آتاه الله آياته ثم انسلخ من الآيات ، فبدلاً من أن ينتفع بها صيانة لنفسه ، وتقرباً إلى ربه { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } [ الأعراف : 175 ] واتبع هواه ومال إلى الشيطان . وكلمة " انسلخ " دليل على أن الآيات محيطة بالإنسان إحاطة قوية لدرجة أنها تحتاج جبروت معصية لينسلخ الإنسان منها لأن الأصل في السلخ إزاحة جلد الشاة عنها ، فكأن ربنا يوضح أنه سبحانه وتعالى أعطى الإنسان الآيات فانسلخ منها ، وهذا يعني أن الآيات تحيط بالإنسان كما يحيط الجلد بالجسم ليحفظ الكيان العام للإنسان لأن هذا الكيان العام فيه شرايين ، وأوردة ، ولحم ، وشحم ، وعظام . وجعل الله التكاليف الإيمانية صيانة للإنسان ، ولذلك سمي الخارج عن منهج الله " فاسقاً " مثله مثل الرطبة من البلح ، فبعد أن تضرب الشمس البلحة يتبخر منها بعض من الماء ، فتنكمش ثمرة البلحة داخل قشرتها وتظهر الرطبة من القشرة ، ولذلك سمي الخارج عن المنهج " فاسقاً " من فسوق الرطبة عن قشرتها ، والله عز وجل يقول هنا : { ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } [ الأعراف : 175 ] . وكان يجب ألا يغفل عنها ، لأن الإتيان نعمة جاءت ليحافظ الإنسان عليها ، لكن الإنسان انسلخ من الآيات . ونعرف جميعاً ثوب الثعبان وهو على شكل الثعبان تماماً ، ويغير الثعبان جلده كل فترة ، ولا ينخلع من الجلد القديم إلا بعد أن يكون الجلد الذي تحته قد نضج ، وصلح لتحمل الطقس والجو ، وكذلك حين يندلق سائل ساخن على جلد الإنسان ، تلحظ تورم المنطقة المصابة وتكون بعض المياه فيها ، وله أفرغ الإنسان هذه المياه تصاب هذه المنطقة بالتهاب ، أما إذا تركها فهي تحمي المنطقة المصابة إلى أن يتربى الجلد تحتها وتجف وتنفصل عن الجسم ، وكذلك نعلم أن الشاة - مثلاً - لا تسلخ نفسها . بل نحن نسلخها ، والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [ يس : 37 ] . فكأن الليل كان مجلداً ومغلفاً بالنهار ، والليل أسود ، والنهار فيه الضوء ، ونعلم أن اللون الأسود ليس من ألوان الطيف ، وكذلك اللون الأبيض ليس من ألوان الطيف لأن ألوان الطيف : الأحمر ، البرتقالي ، الأصفر ، الأخضر ، الأزرق ، النيلي ، البنفسجي ، واللون الأسود يأخذ ألوان الطيف ويجعلها غير مرئية ، لأنك لا ترى الأشياء إلا إذا جاءت لك منها أشعة لعينيك ، واللون الأسود يمتص كل الأشعة التي تأتي عليه فلا يرتد إلى العين شعاع منها فتراه مظلماً . والأبيض هو مزيج من ألوان متعددة إن مزجتها مع بعضها يمكنك أن تصنع منها اللون الأبيض ، وهكذا نعلم أن الأبيض مثله مثل الأسود تماماً ، فالأسود يمتص الأشعة فلا يخرج منه شعاع لعينيك ، والأبيض يرد الأشعة ولا يخرج منه شعاع لعينيك . فقوله الحق : { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [ يس : 37 ] كأن سواد الليل جاء يغلف بياض النهار . وإذا انسلخ من آتاه خبر الإيمان عن المنهج يقول الشيطان : إنه يصلح لأن يتبعني ، وكأن الشيطان حين يجد واحداً فيه أمل ، فهو يجري وراءه مخافة أن يرجع إلى ما أتاه الله من الكتاب الحامل للمنهج ، ويزكي الشيطان في نفس هذا الإنسان مسألة الخروج عن منهج ربنا . وقلنا من قبل : إن المعاصي تأتي مرة من شهوة النفس ، ومرة من تزيين الشيطان وأوضحنا الفارق ، وقلنا : إن الشيطان لا يجرؤ عليك إلا إن أوضحت للشيطان سلوكك أن له أملاً فيك ، لكن إن اهتديت وأصلحت من حالك فالشيطان يوسوس للإنسان في الطاعة ويحاول أن يكرهه فيها ، والشيطان لا يذهب - مثلا - إلى الخمارة ، بل يقعد عند الصراط المستقيم ليرى جماعة الناس التي تتجه إلى الخير ، أما الاخرون فنفوسهم جاهزة له . إذن فالشيطان ساعة يرى واحداً بدأ في الغفلة عن الآيات فهو يلاحقه مخافة أن تستهويه الآيات ثانية ، ولذلك لا بد لنا أن نفرق بين الدافع إلى المعصية هل هو من النفس أم من نزغ الشيطان ، فإن جاءت المعصية وحدثتك نفسك بأن تفعلها ثم عزت عليك تلك المعصية لأي ظرف طارئ ثم ألححت عليها ذاتها مرة ثانية ، فاعلم أنها شهوة نفسك . لكن إن عزت عليك ثم فكرت في معصية ثانية فهذا من نزغ الشيطان لأن الشيطان لا يريدك عاصياً بمعصية مخصوصة ، بل يريدك بعيداً عن المنهج فقط ، لكن النفس تريد معصية بعينها وتقف عندها ، فإن رأيت معصية وقفت عندها نفسك ، فاعلم أنها من نفسك ، وإن امتنعت عليك معصية وتركتها ، ثم فكرت في معصية ثانية . فهذا نزغ من الشيطان - ويقول الحق : { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الأعراف : 175 ] . الغاوي والغَوِيّ هو من يضل عن الطريق وهو الممعن في الضلال ، ونعلم أن الهدى هو الطريق الموصل للغاية ، ومن يشذ عن الطريق الموصل للغاية يضل أو يتوه في الصحراء . وهو الذي يُسمى " الغاوي " ، وما دام من الغاوين عن منهج الله فالفساد ينشأ منه لأنه فسد في نفسه ويفْسد غيره . ويقول الحق بعد ذلك : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ … } .