Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 178-178)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذه الآية هي الوحيدة التي جاء فيها سبحانه وتعالى : { ٱلْمُهْتَدِي } - بالياء - بينما جاء المولى سبحانه وتعالى بكلمة " المهتد " - من غير ياء - في آيات متعددة عدا هذه الآية : واقرأ قوله تعالى : { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } [ الإسراء : 97 ] . ويقول الحق : { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد : 26 ] . وكذلك تأتي الكلمة بدون " ياء " في قوله سبحانه : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } [ الكهف : 17 ] . والمعركة الخاصة بقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم ، ولا تزال أيضاً ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن ، وأوضحنا هذه القضية من قبل ولكننا نكررها للتأكيد ولتستقر في الأذهان ، لأن هناك دائماً من يقول : إذا كان الله هو الهادي والمضل ، فلماذا يعذبني إن ضللت ؟ . وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة . ونقول لكل مجادل : لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت ؟ ولماذا لا تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت ؟ . إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر . ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم . وضرَبْنا من قَبْلُ أمثلةً كثيرة . لنفرق في هذه المسائل بين المختلفين لأن الجهة عندهم منفكة . وهم قد ناقشوا مسألة " خلق أفعال العباد " وتساءلوا : مَنْ خلق هذه الأفعال ؟ هل خلقها الله أم أن العبد يخلق أفعاله ؟ . ونسأل : ما هو الفعل ؟ . إنه توجيه طاقة لإحداث حدث فطاقة اليد أنها تعمل أيَّ عمل تريده منها قد تضرب بها إنساناً أو تحمل بها إنساناً واقعاً على الأرض ، أو تربت بها على اليتيم . إذن ففي اليد طاقة تصلح لأن تفعل الخير وتفعل الشر ، وأنت لحظة أن تضرب إنساناً فأي عضلة تحركها حين ترتفع اليد لتضرب ؟ . إنك بمجرد رغبتك في أن تضرب تضرب عكس الإنسان الآلي حين يرفع شيئاً ، فله أجزاء وأزرار تعمل . وكلها آلات . وأنت حين تربت على كتف يتيم ، ما هي الأعضاء والأجهزة التي تحركها لتعمل هذا العمل ؟ . إذن فالله هو الذي خلق فيك الانفعال للفعل . فإن نظرت إلى ذلك ، فكل فعل من الله ، ولكن توجيه الجارحة إلى الفعل هو محل التكليف . إذن فأنت تحاسب لأنك فعلت ، لا لأنك خلقت لأن خالق الأفعال هو الله سبحانه وتعالى ، وأنت تفعل بمجرد الإرادة والاختيار ، مثل اللسان فيه طاقة مخلوقة لبيان ما في النفس إن أردت أن تقول بها " لا إله إلا الله " صلحت ، وصلحت كذلك عند الملحد أن يقول - والعياذ بالله - لا يوجد إله . واللسان لم يعص في هذه ولا في تلك . إذن فالذي خلق قدرة الجارحة على الفعل هو الله . وأنت توجه الجارحة ، إذن فكل الافعال مخلوقة لله ، لكن توجيه الطاقة للفعل بالميل والاختيار إنما يكون من العبد والحق سبحانه وتعالى يهدي الجميع بالمنهج ، ومن يقبل عليه بنيَّة الإيمان ، يعينه على ذلك ، ولذلك لا يصح أن نختلف في مسألة مثل هذه ، وأن نسأل من خلق الأفعال ، بل علينا أن نحدد الأفعال وكيف توجد ، وما دور الإنسان فيها لأننا نعلم أن الله قد يسلب طاقة الفعل على الإحداث ، مثل من يريد أن يؤذي إنساناً بيده لكنه يصاب بشلل فلا يقدر أن يرفع يده . ولو كان هو الذي يخلق لرفع يده وآذى بها من أراد ، لكنه لا يخلق الطاقة الصانعة للفعل . وعلى ذلك تكون الهدايةُ نوعين : هداية دلالة ، وهي للجميع للمؤمن والكافر لأن الحق لم يدل المؤمن فقط ، بل يدل المؤمن والكافر على الإيمان به ، فمن يُقْبل على الإيمان به فإن الحق تبارك وتعالى يجد فيه أهلاً للمعونة . فيأخذ بيده ، ويعينه ، ويجعل الإيمان خفيفاً على قلبه ، ويعطي له طاقة لفعل الخير ، ويشرح له صدره وييسر له آمره : وسبحانه القائل : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 282 ] . ويقول سبحانه وتعالى : { وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 178 ] . فإذا كان الله قد عمّم حكماً ثم خصّصه ، فالتخصيص هو الذي يحكم التعميم . ويقول ربنا عز وجل : إن من شاء هدايته فهو سبحانه وتعالى يعطيه الهداية ، ومن شاء له الضلال زاده ضلالاً ، وقد بيّن أن من شاء هدايته يهتدي وهذه معونة من الله ، والكافر لا يهتدي وكذلك الظالم ، والفاسق لأنه سبحانه قد ترك كل واحد منهم لاختياره ، وهكذا يمنع سبحانه وتعالى عنهم هداية المعونة . ونقرأ في القرآن الكريم ما يوضح هذه المسألة ، فهو سبحانه يقول : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ فصلت : 17 ] . والهداية التي كانت لقوم ثمود إنما هي هداية الدلالة ، وليست هداية المعونة . ويقول سبحانه : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] . أي أنه سبحانه قد زاد من اختاروا الهداية ، بالمعونة وجعل بينهم وبين النار وقاية والحق سبحانه وتعالى يقول لرسوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] . أي أنك يا محمد لن تعين أحداً على الطاعة لأن هذا أمر يملكه ربك . ويقول سبحانه لرسوله : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] . أي أنك يا محمد تهدي هدايةَ الدّلالة بالمنهج الذي أنزله الله إليك . إذن إذا رأيت فعلاً أو حدثاً مُثبتاً لواحد ومنفياّ عنه … فاعلم أن الجهة منفكة ، والكلام هنا لحكيم عليم . ولماذا يقول الحق سبحانه : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 178 ] . لأن الحق سبحانه وتعالى حين ينصرف عن معونة عبده ، فعلى العبد أن يواجه حركة الحياة وحده بدون مدد من خالقه . ويعيش وحالته كرب ، سواء كان في يسر مادي أو في عسر . هذا إن اعتبر أن الدنيا هي كل شيء ، فإذا أضيف إلى ذلك غفلته عن أن الدنيا معبر للآخرة ، فالخسارة تكون كبيرة حقاً . ويقول الحق بعد ذلك : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً … } .