Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 180-180)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وحين يقول المولى سبحانه وتعالى { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأعراف : 180 ] نقول : أنه لا يوجد لغير الله اسم يوصف بأنه من الحسنى ، إن قلت عن إنسان إنه " كريم " ، فهذا وصف ، وكذلك إن قلت إنه " حليم " ، وكلها صفات عارضة في حادث ، ولا تصير أسماء حسنى إلا إذا وصف الله بها . فأنت - مثلا - لك قدرة تفعل أفعالاً متعددة ، ولله قدرة ، لكن قدرتك حادثة من الأغيار ، بدليل أنها تسلب منك لتصير عاجزاً ، أما قدرة الله تعالى فلها طلاقة لا يحدها شيء . فهي قدرة مطلقة . وأنت قد تكون غنياً لك غنى ، ولله غنى ، لَكنّ ثراءك محدود ، وأمَّا غنى الله فإنه غير محدود . إذن الأسماء الحسنى على إطلاقها هي لله ، وإن وجدت في غيره صارت صفات محدودةً مهما اتسعت . { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] . والحسنى … تأنيث لكلمة " الأحسن " اسم تفضيل ، وهي الأسماء الحسنى في صلاحية الألوهية لها ، وصلاحيتها للألوهية . وحين تقول عنه سبحانه : إنه " رحيم " ، فهذا أمر حسن عندي وعندك لأنني أنظر إلى رحمته لي ، وأنت تنظر إلى رحمته لك . وحين تقول : " غفار " فأنت وأنا وكل من يسمعها تعود عليه . وحين تقول : " قهّار " وأنت مذنب ستخاف ، وهي صفة حسنى بالنسبة للإله لأن الإله لا بد أن تكون له صفاتُ جمال وصفاتُ جلال ، فصفات الجمال لمن أطاع ، وصفات الجلال لمن عصى . ولذلك لا تأخذ النعم بمدلولها عندك ، بل خذ النعم بمرادات الله تعالى فيها . وساعة يتكلم الحق سبحانه وتعالى قائلا : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 31 - 36 ] . فهل إرسال الشواظ من النار والنحاس نعمة يقول بعدها : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ؟ نقول : نعم ، هي نعمة كبيرة ، لأنه سبحانه وتعالى ينبهنا قبل أن توجد النار ، أن النار قوية ، ويعطي لك نعمة العظة والاعتبار . وعظته وتنبيهه - إذن - قبل أن توجد النار نعمة كبرى ، وأيضاً هي نعمة بالنسبة للمقابل ، فحين يطيعه المؤمنون في الدنيا ويلزمون أنفسهم بمنهج الله ، فلهم ثواب حق الالتزام ، والمقابل لهم الذين لم يلتزموا وأخذوا الخروج عن المنهج غاية ، يتوعدهم سبحانه بالعقاب ، وهذه نعمة كبرى . { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] . والحق سبحانه وتعالى عرفنا اسمه بالبلاغ منه لأننا قد نعرف مسماه من القوى القادرة وهي التي تعرف بالعقل ، لكن العقل لا يقدر أن يعرف الاسم . وسبق أن قلت : لنفترض أن أناساً يجلسون في حجرة ثم طرق الباب . هنا يجمع الكل على أن طارقاً بالباب ، لكن حين دخلوا في التصور اختلفوا ، فواحد يقول : إن الطارق رجل ، فيرد الآخر : لا إنها امرأة لأن نقرتها خفيفة ، ويقول ثالث : هذه النقرة على الباب تأتي من أعلاه وهي دليل على أن الطارق ضخم ، وهو نذير لأنه يطرق بشدة ، ويختلف تصور كل الحضور عن الطارق ، ولا أحد يعرف اسمه . إذن حين تريد أن تعرف من الطارق ، فأنت تسأله من أنت ؟ فيقول لك " اسمه " . إذن فإن الاسم لا يدرك بالعقل . ومن خلق الخلق كله قوي ، قادر ، حكيم ، عليم ، لأن عملية الخلق تقتضي كل هذا . أما اسم الله . فهذه مسألة لا يعرفها العقل وتحتاج إلى توقيف . إذن فأسماء الله تبارك وتعالى توقيفية ، فحين يقول لنا : هذه أسمائي فإننا ندعوه بها ، وما لم يقل لنا عليه لا دعوة لنا به ، ولذلك يقول تعالى : { فَٱدْعُوهُ بِهَا } . فإذا أنت نقلت هذا إلى غيره . فأنت تدعو بالأسماء الحسنى سواه ، مثلاً كذاب اليمامة مسيلمة سمى نفسه الرحمٰن ، وبذلك ألحد في اسم الله حيث نقل أحد أسماء ربنا إلى ذاته ، ومثله فعل غيره ، ألم يسموا " اللات " من الله ؟ . ألم يسموا " العزّى " من العزيز ؟ . ألم يسموا " مناة " من المنان ؟ . كل هؤلاء ألحدوا في أسماء الله التي لا ندعو غيره بها ، ولذلك ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله في دعآئه : " اللهم أني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك ، عدل فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وذهاب حزني وغمي " إذن فهذه الأسماء وضعها ربنا لنفسه ، لأنها لا تعرف بالعقل . أما إذا نظرت إلى الأوصاف المبدعة للخلق فأنت تتعرف على هذه الأوصاف لأنه تعالى خلق الكون بحكمة وتدبير وقدرة . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - نحن نؤسس مصانع كثيرة وكبيرة لتصنع المصابيح ، فنصنع زجاجاً ونفرغه من الهواء ، ونضع داخله أسلاكاً تتحمل ذبذبة الكهرباء ، وبعد استخدام هذه المصابيح لفترة تفسد ، بينما الشمس تضيء الكون كل هذا العمر ، من بدء الخلق ، ولا تحتاج منا إلى قطعة غيار . وحين نقول هو : " حكيم " ، نقولها ونرى أثر ذلك في حركة الكواكب التي تسير منسجمة ، وكل كوكب يدور في فلكه ولا يصطدم بآخر ، وهذا دليل على أن الكواكب قد خلقت بحكمة . وينبهنا الحق سبحانه وتعالى أن ندعوه بالأسماء الحسنى في قوله : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] لأنه يريد من خلقه دائماً أن يذكروه لأنه هو الرب الذي خلق من عَدَم ، وأَمَدَّ من عُدْم . وصان الخلق بقيومية ، وحين تأتي لك حاجة وجب عليك أن تذكر أسماء الله الحسنى وتنادي الله بها ، وحين تريد أن تتقرب إلى الله لا تناديه إلا بالاسم الذي وضعه لنفسه وهو " الله " ، لأن هذا هو اسم علم على واجب الوجود ، وأسماء الله الحسنى كلها صفات وصلت إلى مرتبة الأسماء ، وهناك أسماء تدل على مجموع الصفات . ولله المثل الأعلى : أنت تقول : " زيد " فيعرف السامع أن هذا اسم علم على شخص اسمه زيد ، ثم له صفات أخرى ، كأن يكون تاجراً ، أو عالماً متفقها في العلم ، أو مهندساً . لكن الاسم العلم هو زيد وهو الذي لا يشترك معه أحد من معارفك فيه وهو زيد ، لكن الصفات الأخرى قد يشترك معه فيها غيره . والأسماء لله نوعان ، اسم يدل على ذات الله ، الذات المجردة عن أي شيء وهو الله ، ولكن هناك صفات لله مثل الرحمن والرحيم والملك والقدوس والسلام والمؤمن والمهيمن ، وهذه صفات ارتقت في السمو والعلو لأنه لا أعلى منها ، حتى أصبحت إذا أطلقت إطلاق الكمال الأعلى لا تنصرف إلا لله . فصارت أسماء . قد نقول فلان غني ، وفلان كريم ، وفلان حكيم ، لكن الغنى على إطلاقه هو لله تعالى . والأسماء الحسنى ناشئة من صفات مبالغة في العلو فيها ، لأنه سبحانه الأكمل فيها وهي في الأصل صفات لها متعلقات فعلية ، وهذه نوعان اثنان : نوع يطلق على الله منها اسم ومقابله ، ونوع يطلق عليه الاسم ولا يطلق عليه المقابل ، ونأتي بصفة شبيهة بالاشتقاق ، فنقول : " غني " ، ونقول : " مغني " فهو غني في صفة ذاته قبل أن يوجد من يُغنيه ، ومغني وجدت بعد وجود من يُغنيه من عباده ، وسبحانه حي في ذاته ، ومحيي لغيره ، والإحياء صفة فعل في الغير . ولابد لها من مقابل ، فنقول : محيي ومميت . ولم نقل حي ومقابله ، الغير . إذن فالاسم الذي ترى له مقابلاً هو صفات الفعل ، أما صفات الذات فهي التي لا يوجد لها المقابل . ويلحدون في أسماء الله أي يُميلونها إلى غير الله وينقلها الواحد منهم لغير الله أو يأتي باسِم للغير ويطلقه على الله ، أو يطلق اسماً ليس له معنى أو لا يُفهَم منه أي معنى على الله . إذن " الإلحاد " يأتي في ثلاثة أشياء : إما أن ينقل أحد أسماء الله إلى غير الله ، أو يأتي باسم للغير ويطلقه على الله ، أو يطلق اسماً لله من غير أن يكون قد أنزله الله توقيفياً . { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 180 ] . ونعلم أن " العمل " هو اسم للحدث من أي جارحة فنطق اللسان عمل ، وشم الأنف عمل ، ونعلم أن هناك ما يسمى بـ [ قول وفعل ] ، والفعل عمل الجوارح ما عدا اللسان والقول عمل اللسان ، والاثنان يطلق عليهما عمل ، ولذلك يقول الحق : تبارك وتعالى في سورة الصف : { لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الآية : 2 ] . إذن فالقول مقابله الفعل ، والجزاء هنا على الفعل والقول لأن كليهما عمل . وإذا كان لله أسماءُ كثيرةٌ ، فهل يجوز هنا لنا أن نأخذ من فعل الله في شيء اسماً له ؟ وخصوصاً انه القائل : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [ البقرة : 31 ] . وهو القائل أيضاً : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] . هل يمكن أن نقول : إن الله معلم ؟ وهل يصح أن نأخذ من قوله : { وَأَكِيدُ كَيْداً } [ الطارق : 16 ] . اسماً هو كائد ؟ لا يجوز ذلك لأن أسماء الله توقيفية ، وإن رأيت فعلاً منسوباً لله فقف عند الفعل فقط ولا تأخذ منه اسماً لله تعالى . ويقول الحق بعد ذلك : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ … } .