Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 182-182)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهؤلاء هم المقابلون للذين خلقهم الله أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ، والآيات جمع آية ، وقلنا : إن الآيات التي في الكون ثلاث آيات تنظرها لتهتدي بها إلى من صنع ذلك الكون المترامي الأطراف بتلك الدقة العظيمة ، وذلك الإحْكام المتقن ، آيات تلفتك مثل الليل والنهار والشمس والقمر ، وكذلك آيات تخرق ناموس الكون لتثبت صدق الرسول بالبلاغ عن الله ، وآيات قرآنية تحمل منهج الله ، والذين كذبوا بآيات الله الكونية ولم يعتبروا بها ، ولم يستنبطوا منها وجود إله قوي قادر حكيم ، وكذبوا الآيات المعجزات لصدق النبوة ، وكذلك كذبوا آيات القرآن فلم يعملوا بها ، ولم يتمسكوا بها هؤلاء يلقون الحكم من الله فلن يدخلهم الحق النار فقط ، بل لهم عذاب أقرب من ذلك في الدنيا ، لأن المسألة لو أجلت كلها للآخرة لاستشرى بغي الظالم الذي لا يؤمن بالحياة الآخرة ، لكن من يؤمن بالآخرة هو من سيحيا بأدب الإيمان في الكون ، وتكون حركته جميلة متوافقة مع المنهج . عكس من يعربد في الكون لذلك لا بد أن يأتي العقاب لمن يعربد في الكون أثناء الحياة الدنيا ، وسبحانه وتعالى القائل : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الطور : 47 ] . أي أن لهم عذاباً قبل الآخرة . ويقول الحق بعد ذلك عن العذاب في الدنيا : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] . وحين تقول : أنا استدرجت فلانا ، فأنت تعني أنك أخذت تحتال عليه حتى يقر بما فعل ، مثل وكيل النيابة حين يحقق مع المجرم ، ويحاصره بالأسئلة من هنا ، ومن هناك ، إلى أن يقر ويعترف ، وهذا هو الاستدراج . و " الاستدراج " من الدرج ونسميه في لغتنا اليومية " السلَّم " وهو وسيلة للانتقال من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل فمن المستحيل على الإنسان أن يقفز بخطوة واحدة إلى الدور الخامس مثلا في عمارة ما ، ولذلك صمموا الصعود على درجات إلى مستويات متعددة على وفق الحركة العادية للنفس ، وهناك من يجعل علو الدرجة مثلاً اثنى عشر سنتيمتراً بحيث يستطيع كل إنسان أن يرفع قدمه ويضعها على الدرج دون إرهاق النفس ، وهذا يعني أننا نستدرج العلو لنصل إليه أو ننزل منه . وقد خصوا في الآخرة الجنة بالدرجات العليا ، والنار بالدرجات السفلى . وهنا يقول الحق : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] . أي نأخذهم درجة درجة ، ونعطي لهم نعمة ثم نرهقهم بما وصلوا إليه ، كما قال سبحانه من قبل : { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] . لأن الله حين يريد أن يعاقب واحداً على قدر جرمه في حق أخيه الإنسان في الدنيا يأخذه من أول جرم لأن الأخذة في هذه الحالة ستكون لينة ، لكنه يملي له ويعليه ثم يلقيه من عَلُ . { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً … } [ الأنعام : 44 ] . وهكذا يكونُ الآخذ أخذ عزيز مقتدر . وحين يَستدرجُ البشرُ ، فإن الطرف المستدرج له أيضاً ذكاء ، ويعرف أن هذا نوع من الكيد وفخ منصوب له ، لَكِنْ حين يكون ربنا القوي العزيز هو الذي يستدرج فلن يعرف أحد كيف يفلت . والعلة في قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } هي قوله : { مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] . لأن البشر يعلمون طرق استدراج بعضهم لبعض . ويقول الحق بعد ذلك : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ … } .