Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 191-191)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أيشركون في عبادة الله من لا يخلقون شيئاً ، وهم أنفسهم مخلوقون لله ، إن من أشركوا بالله الأصنام فعلوا ذلك بالوهم وتنازلوا عن العقل ، وكان الواجب أن يكونوا عقلاء فلا يتخذون من الأصنام آلهة . { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ الأعراف : 191 ] . ولذلك فإن هناك آية أخرى تفضح زعمهم يقول فيها الحق تبارك وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ … } [ الحج : 73 ] . ونعلم أن البشر في المعامل قد عرفوا العجز عن خلق خلية واحدة وهي التي لا ترى بالعين المجردة ، ولذلك أوضح الحق أن المسألة ليست أمر خلق ، بل إن الذباب لو وقع على طعام إنسان وأخذ على جناحه أو في خرطومه شيئاً ، لن يستطيع أحد أن يسترد المأخوذ منه ، فقد ضعف الطالب والمطلوب . الخلق - كما نعلم - أول مرتبة من مراتب القدرة ، فإذا كانت الأصنام التي اتخذها هؤلاء شركاء لا تخلق شيئاً بإقرارهم هم ، فكيف يعبدونها ؟ إنها لا تخلق شيئاً بدليل أنها لا تتناسل . بل إذا أراد العابدون أن يزيدوا صنماً صنعه العابدون بأنفسهم . ونلحظ أن الحق جاء هنا بالقول : { أَيُشْرِكُونَ } بصيغة تعجب ، والتعجب ينشأ عن إنكار ما به الاستفهام ، أي تعجب منكراً على وفق الطباع العادية ، مثلما يقول لنا : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 28 ] . أي قولوا لنا ما الطريقة التي بها تكفرون بالله وتسترون وجوده ، مع هذه الآيات البينات الواضحات ؟ فكأن ذلك أمْر عجب يدعو أهل الحق للدهشة والاستغراب والإنكار الشديد ، وحينما يتكلم الحق بإنكار شيء لأنه أمر عجيب ، يوجه الكلام مرة إليهم ، ومرة أخرى يوجهه إلى غيرهم ، مثل قوله هنا : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ الأعراف : 191 ] . والكلام للمؤمنين لأنه يريد أن يعطي لقطتين في الآية ، اللقطة الأولى : أن ينكر ما فعله هؤلاء ، وأن يزيد القوم الذين لم يفعلوا ثقة في نفوسهم ، وفرحة بمواقفهم الإيمانية ، حيث لم يكونوا مثل هؤلاء . { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } . وفي الآية الكريمة وقفة لفظية في الأسلوب العربي نفسه قد تثير عند البعض إشكالاً ، في قوله تعالى : { مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } . و " ما " تعني الذي لم يخلق شيئاً ، و " يخلق " هنا للمفرد ، وسبحانه وتعالى جعل للمفرد هنا عمل الجمع فقال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } . وأقول : إن الذي يقف هذه الوقفة ، ويلاحظ هذا الملحظ إنسان سطحي الثقافة بالعربية ، لأنه لا يعلم أن " ما " و " من " و " الـ " تطلق على المفرد والمفردة ، وعلى المثنى والمثناة ، وعلى جمع الذكور وجمع الإناث ، فتقول : جاءني من أكرمته ، وجاءتني من أكرمتها ، وجاءني من أكرمتهما ، وجاءت من أكرمتهما ، وجاء من أكرمتهم وجاء من أكرمتهن . وكذلك " ما " . إذن فقول الحق : { مَا لاَ يَخْلُقُ } في ظاهرها مفرد ، ولكن اللفظ يطلق على المفرد والجماعة لذلك جاء في الأمر الثاني وراعى الجماعة ، إذن " يخلق " للمفرد ، و " هم يخلقون " للجمع لأن قوله : " ما " صالح للجميع أي للمفرد وللمثنى وللجمع وللمذكر وللمؤنث . ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } [ محمد : 16 ] . وسبحانه قال هنا : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } ، ولم يقل : " حتى إذا خرج من عندك " بل قال : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ } أي أنه جاء بالجماعة ، فإذا رأيت ذلك في " ما " و " من " و " الـ " فاعلم أن هذه الألفاظ يستوي فيها المفرد والمفردة والمثنى والمثناة وجمع الذكور وجمع الإناث . { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } . وهنا في هذه الآية وقفة لغوية أخرى في قوله : " هم " وهي لا تطلق إلا على جماعة العقلاء ، فكيف يطلق على الأصنام " هم " وليست من العقلاء ؟ وأقول : إن الحق سبحانه وتعالى لما علم أنهم يعتقدون أنها تضر ، وأنها تنفع ، فقد تكلم معهم على وفق ما يعتقدون ، لكي يرتقي معهم في رد الإنكار لكل ما يستحق الإنكار . فأول مرحلة عرفهم أن الأصنام لا تخلق ، وثاني مرحلة عرفهم أنهم هم أنفسهم مخلوقون والأصنام لا تقدر على نصرهم ، إذن فهم معطلون من كل ناحية لأنهم لا يخلقون . وهذا أول عجز ، ومن ناحية أخرى أنهم يُخْلَون وهذا عجز آخر ، لكن بعد هذا العجز الأول والعجز الثاني فهل هم قادرون على نصر غيرهم ؟ ها هو ذا سبحانه يترقى في الحوار معهم ترقية أخرى فيقول : { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً … } .