Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 1-1)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي هذه الآية فصل بين كل حرف ، فنقرأها : " ألف " ثم نسكت لنقرأ " لام " ثم نسكت لنقرأ " ميم " ثم نسكت لنقرأ " صاد " . وهنا حروف خرقت القاعدة لحكمة لأن هذه حروف مقطعة ، مثل " الم " ، حم ، طه ، يس ، ص ، ق ، وكلها مبنية على السكون مما يدل على أن هذه الحروف وإن خيل لك أنها كلمة واحدة ، لكن لكل حرف منها معنى مستقل عند الله ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنةٌ ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ، ولكن أَلِفٌ حرف ، ولامٌ حرف ، وَمِيمٌ حرف " . والرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن هذه الحروف بها أمور استقلالية ، ولا تكون كذلك إلا إذا كانت لها فائدة يحسن السكوت والوقوف عليها ، فهمها من فهمها ، وتعبد بها من تعبد بها ، وكل قارئ للقرآن يأخذ ثوابه بكل حرف ، فلو أن قارئاً قال : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ونطق بعد ذلك بحرف أو بأكثر ، فهو قد أخذ بكل حرف حسنة ، وحين نقرأ بعضاً من فواتح السور ، نجد أن سورة البقرة تبدأ بقوله الحق : { الۤمۤ } [ البقرة : 1 ] . ونقرأ هنا في أول سورة الأعراف : { الۤمۤصۤ } [ الأعراف : 1 ] . وهي حروف مقطعة . نطقت بالإِسكان ، وبالفصل بين كل حرف وحرف . ويلاحظ فيها أيضاً أنها لم تقرأ مسميات ، وإنما قُرئت أسماء ، ما معنى مسميات ؟ وما معنى أسماء ؟ . أنت حين تقول : كتب ، لا تقول " كاف " " تاء " " باء " ، بل تنطق مسمى الكاف كَ ، واسمها كاف مفتوحة ، أما مسماها فهو " كَ " . إذن فكل حرف له مسمى ، أي الصوت الذي يقوله الإِنسان ، وله اسم ، والأمي ينطق المسميات ، وإن لم يعرف أسماءها . أما المتعلم فهو وحده الذي يفهم أنه حين يقول : " كتب " أنها مكونة من كاف مفتوحة ، وتاء مفتوحة ، وباء مفتوحة ، أما الأمي فهو لا يعرف هذا التفصيل . وإذا كان رسول الله قد تلقى ذلك وقال : ألف لام ميم ، وهو أمي لم يتعلم . فمن قال له انطق مسميات الحروف بهذه الأسماء ؟ . لابد أنه قد عُلِّمَهَا وتلقاها ، والحق هو القائل : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [ القيامة : 18 ] . فالذي سوف تسمعه يا محمد ستقرأه ، ولذلك تجد عجائب فأنت تجد " الم " في أول البقرة ، وفي أول سورة آل عمران ، ولكنك تقرأ الآية الأولى من سورة الفيل : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] . ما الفرق بين الألف واللام والميم في أول سورة البقرة ، وسورة آل عمران وغيرهما ، والحروف نفسها في أول سورة الفيل وغيرها كسورة الشَّرْح ؟ أنت تقرأها في أول سورة البقرة وآل عمران أسماء . وتقرأ في أول سورة الفيل مسميات . والذي جعلك تفرق بين هذه وتلك أنك سمعتها تُقرأ في أول البقرة وآل عمران هكذا ، وسمعتها تقرأ في أول سورة الفيل هكذا . إذن فالقراءة توقيف ، وليس لأحد أن يجترئ ليقرأ القرآن دون سماع من معلم . لا ، لابد أن يسمعه أولاً حتى يعرف كيف يقرأ . ونقرأ { الۤمۤصۤ } في أول سورة الأعراف ، وهي حروف مقطعة ، ونعرف أن الحروف المقطعة ثمانية وعشرون حرفاً ، ونجد نصفها أربعة عشر حرفاً في فواتح السور ، وقد يوجد منها في أول السورة حرف واحد مثل : { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ ق : 1 ] . وكذلك قوله الحق : { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ ص : 1 ] . وكذلك قوله الحق : { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } [ القلم : 1 ] . ومرة يأتي من الحروف المقطعة اثنان ، مثل قوله الحق : { حـمۤ } [ الأحقاف : 1 ] . ومرة تأتي ثلاثة حروف مقطعة مثل : { الۤمۤ } [ البقرة : 1 ] . ومرة يأتي الحق بأربعة حروف مقطعة مثل قوله الحق : { الۤمۤصۤ } [ الأعراف : 1 ] . ومرة يأتي بخمسة حروف مقطعة مثل قوله الحق : { كۤهيعۤصۤ } [ مريم : 1 ] . وإذا نظرت إلى الأربعة عشر حرفاً وجدتها تمثل نصف الحروف الأبجدية ، وهذا النصف فيه نصف أحكام الحروف ، فبعضها منشور ، أو مهموس ، أو مخفي ، أو مستعلٍ ، ومن كل نوع تجد النصف ، مما يدل على أنها موضوعة بحساب دقيق ، ومع أن توصيف الحروف ، من مستعلٍ ، أو مفخم ، أو مرقق ، أو منشور ، أو مهموس ، هذا التوصيف جاء متأخراً عن نزول القرآن ، ولكن الذي قاله يعلم ما ينتهي إليه خلقه في هذه الحروف المقطعة وله في ذلك حكمة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميَّا ، ولم يجلس إلى معلم ، فكيف نطق بأسماء الحروف ، وأسماء الحروف لا يعرفها إلا من تعلم ؟ ! فهو إذن قد تلقنها ، وإننا نعلم أن القرآن جاء متحديّاً العرب ليكون معجزة لسيد الخلق ، ولا يُتَحَدَّى إلا من كان بارعاً في هذه الصنعة . وكان العرب مشهورين بالبلاغة ، والخطابة والشعر ، والسجع وبالأمثال فهم أمة كلام ، وفصاحة ، وبلاغة ، فجاء لهم القرآن من جنس نبوغهم ، وحين يتحدى الله العرب بأنه أرسل قرآناً لا يستطيعون أن يأتوا بمثله ، فالمادة الخام - وهي اللغة - واحدة ، ومن حروف اللغة نفسها التي برع العرب فيها . وبالكلمات نفسها التي يستعملونها ، لكنهم عجزوا أن يأتوا بمثله لأنه جاء من رب قادر ، وكلام العرب وبلاغتهم هي من صنعة الإنسان المخلوق العاجز . وهكذا نعلم سرّ الحروف المقطعة التي جاءت لتثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن من الملأ الأعلى لأنه أمي لم يتعلم شيئاً ، لكنه عرف أسماء الحروف ، ومعرفة أسماء الحروف لا يعرفها - كما قلت - إلا المتعلم ، وقد علمه الذي علم بالقلم وعلم الإنسان ما لم يعلم ، ويمكن للعقل البشري أن يحوم حول هذه الآيات ، وفي هذه الحروف معانٍ كثيرة ، ونجد أن الكثير من المفكرين والمتدبرين لكلام الله وجدوا في مجال جلال وجمال القرآن الكثير ، فتجد متصوفاً يقول إن " المص " جاءت هنا لحكمة ، فأنت تنطق أو كلمة ألف وهي الهمزة من الحلق ، واللام تنطقها من اللسان ، والميم تنطقها من الشفة ، وبذلك تستوعب مخارج الحروف من الحلق واللسان والشفة . قال المتصوف ذلك ليدلك على أن هذه السورة تتكلم في أمور الحياة بدءاً للخلق من آدم . إشارة إلى أولية خلق الإنسان ، ووسطاً وهو المعاش ، ونهاية وهو الموت والحساب ثم الحياة في الدار الأخرة ، وجاءت " الصاد " لأن في هذه السورة قصص أغلب الأنبياء . هكذا جال هذا المتصوف جولة وطلع بها ، أنردها عليه ؟ لا نردها بطبيعة الحال ، ولكن نقول له : أذلك هو كل علم الله فيها ؟ . لا لأن علينا أن نتعرف على المعاني التي فيها وأن نأخذها على قدر بشريتنا ، ولكن إذا قرأناها على قدر مراد الله فيها فلن نستوعب كل آفاق مرادات الله لأن أفهامنا قاصرة . ونحن البشر نضع كلمات لا معنى لها لكي تدل على أشياء تخدم الحياة ، فمثلاً نجد في الجيوش من يضع " كلمة سر " لكل معسكر فلا يدخل إلا من يعرف الكلمة . ومن يعرف " كلمة السر " يمكنه أن يدخل . وكل كلمة سر لها معنى عند واضعها ، وقد يكون ثمنها الحياة عند من يقترب من معسكر الجيش ولا يعرفها . { الۤمۤصۤ } [ الأعراف : 1 ] . ونجد بعد هذه الحروف المقطعة حديثاً عن الكتاب ، فيقول سبحانه : { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ … } .