Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 200-200)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و " نزغ " تساوي كلمة " نخس " أي أمسك بشيء ووضع طَرَفَه في جسد من بجانبه أو من أمامَه . ويتضح من معنى " نخس " أن هناك مسافة بين الناخس والمنخوس ووسيلة أو أداة للنخس . وعملية النخس لا يدرك بها الناخس أو المنخوس حرارة بعضهما البعض ، أما كلمة " مس " فقد يشعر الماس والممسوس كل واحد بحرارة الآخر منهما بسرعة ، لكن أحدهما لا يدرك نعومة الآخر ، أما اللمس ففيه إدراك لنعومة وحرارة اللامس والملموس . ومعارك الحرب كلها تدور في هذا النطاق ، فحين يكون العدو بعيداً يحتاج خصمه إلى أن يبتعد عنه كيلا يصيبه بالنبال أو السهام ، ويحاول هو أن يصيب خصمه بالنبال أو السهام . وكما تفعل الجيوش الحديثة حين ترسل طائراتها لترمي القنابل على قوات الخصم . وتقاس قوة الدول بقدرتها على ضرب القوات المعادية دون قدرة تلك القوات على الرد ، لأنها تصيبه من بعد في عصر الصواريخ بعيدة المدى . ونجد الإشارة في قول الحق تبارك وتعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ] . وأوضح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى القوة فيما رواهُ عنه عقبة ابن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : " { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } إلا أن القوة الرمي ، إلا أن القوة الرمي " . لأن الرمي يُمَكّن قذيفتك من عدوك ، وأنت بعيد عنه فلا يقدر أن يصيبك بما يرميه . وقديماً كانت الجيوش تزحف ، فيُلقى الخصوم عليها النبال والسهام ، وإذا ما اقتربت الجيوش أكثر من خصومها فكل فريق يوجه الرماح إلى ما يقرب من أجساد الفريق الآخر . وإذا حمى وطيس المعركة تتلاقى السيوف . إذن كلها من النخس ، والمس ، واللمس . وحينما خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ربه قائلاً : يا رب كيف بالغضب ؟ أي كيف يكون علاج الغضب ؟ نزل قول الحق : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 200 ] . وقد يستفهم قائل فيقول : أينزغ الشيطان الرسول ؟ . وأقول : إنّ الحق تبارك وتعالى لم يقل : " إذا نزغك الشيطان " ، ولكنه قال : " وإما ينزغنك " أي إن حدث ذلك ، وهو قول يفيد الشك - ثم لماذا يحرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم من لذة مجابهة الشيطان ؟ . ونعلم عن ابن مسعود أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة . قالوا : وإياك ؟ قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " . وهنا يقول الحق تبارك وتعالى : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } . والاستعاذة تعني طلب العون والملجأ والحفظ وأنت لا تطلب العون ولا تلجأ ولا تستجير إلا بمن هو أقوى ممن يريد أن ينالك بشر . ومعلوم أن الشيطان له من خفة الحركة ، وقدرة التغلغل ، ووسائل التسلل الكثير لذلك فينبغي ألا تستعيذ بمثله أو بمن هو دونه ، ولكنك تستعيذ بخالق الإنس والجن وجميع المخلوقات ، وهو القادر على أن يعطل فاعلية الشيطان . وسبحانه سميع عليم ، والسمع له متعلق ، والعلم له متعلق ، فحين تستحضر معنى الاستعاذة وأنت مشحون بالإيمان وتلجأ إلى من خلقك . وخلق ذلك الشيطان عندئذ لا بد أن يهرب الشيطان من طريقك لأنه يعلم أنك تلجأ إلى الخالق القوي القادر وهو ليست له قوة على خالقه ، وسبحانه سميع لقولك : " أعوذ بالله " ، عليم بما في نفسك من معنى هذه الكلمة . وإذا كان الحق تبارك وتعالى هنا قد تكلم عن حضرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ } . أي أن الشيطان بعيد ، وهو يحاول مجرد النزغ ، فماذا عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاء هذا ؟ . هنا يقول الحق تبارك وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَٰئِفٌ … } .