Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 43-43)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله الحق : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } ينطبق - أيضاً - على أهل الاجتهاد الذين اجتهد كل منهم في الدنيا ، واختلفوا ، هؤلاء يبعثون يوم القيامة وليس في صدر أحدهم غل ولا حقد . لذلك تجد سيدنا الإِمام عليّاً - كرم الله وجهه - حين يقرأ هذه الآية يقول : " اللهم اجعلني أنا وعثمان وطلحة والزبير من هؤلاء " . لأن هؤلاء هم الذين وقع بينهم الخلاف في مسألة الخلافة ، وكل منهم صحابي ومبشر بالجنة ، فإن كانت النفوس قد دخلت فيها أغيار ، فإياكم أن تظنوا أن هذه الأغيار سوف تصحبكم في دار الجزاء في الآخرة لأن الله يقول : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } . إن الخلاف كان خلافاً اجتهادياً بين المؤمنين وهم قد عملوا الصالحات وكل منهم أراد الحسن من الأعمال ، ونشأ عن ذلك في أغيار الدنيا شيء من عمل القلب ، فأوضح سبحانه : إياكم أن تفهموا أن ذلك سوف يستمر معهم في الآخرة لأنهم جميعاً حينما اختلفوا كانوا يعيشون باجتهادات الله ، وفي الآخرة لا اجتهاد لأحد . ويريد الحق أن يجعل هذا الأمر قضية كونية ، ومثال ذلك تجد رجلاً قد تزوج امرأة بمقاييس غير مقاييس الله في الزواج تزوجها لأنها جميلة مثلاً ، أو لأن والدها له جاه أو غني ، وبعد الزواج لم يعطه والدها الغني شيئاً من ماله فيقول : غشني وزوجني ابنته ، أو كانت جميلة ، ثم لقى فيها خصالاً قبيحة كثيرة فكرهها ، ونقول لمثل هذا الرجل : ما دمت لم تأخذها بمقاييس الله فعليك أن تنال جزاء الاختيار . لكن من تزوج امرأة على دين الله ، ووجد منها قبحاً ، فلن يصحبه هذا القبح في الآخرة ، ولذلك نجد الحق قد جاء بهذه القضية بالذات ، ولم يأت بها في الأبناء أو في البنات ، بل في الزوج والزوجة لأنهما عماد الأسرة . فبيّن للرجل : إياك أن تتخيل أن المرأة التي أغاظتك أو أتعبتك أو كدرت عليك بخصلة سيئة فيها ، إياك أن تظن أن هذه الخصلة السيئة ستصاحبها في الآخرة ، ولذلك قال سبحانه : { وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ … } [ آل عمران : 15 ] . وأزواج مطهرة من الأشياء التي كنت تغضب منها وستكون مطهرة بتطهير الله لها . { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ … } [ الأعراف : 43 ] . ونجد الحق يقول مرة : { تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ } ومرة يقول : { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ } ، ونجد " مِن " فارقاً بين القولين . إننا نرى من يستقر في قصر ونجد الماء منساباً حوله وتحته يسر العيون ، وماء الآخرة هو ماء غير آسن ، وليس فيه أكدار الدنيا ، وكما أننا نسر بالماء في الدنيا سنسر به أضعاف ذلك في الآخرة . وقد تجري المياه تحت القصر ولكن نبعها من مكان بعيد فيخاف صاحب القصر أن يقطعها آخر عنه ، ويطمئن الحق عباده الصالحين : ستجري من تحت جناتكم الأنهار وكل المياه ستكون ذاتيتها من موقع كل مكون أنت فيه ولن يتحكم فيك أحد ، ولن يسد أحد عنك منبع المياه وسترى أنهار الآخرة بلا شطآن لأن كل شيء ممسوك لا بالأسباب كما في الدنيا ، ولكن بـ " كن " التي هي لله . ولذلك يقول العباد في جنة الآخرة : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ … } [ الأعراف : 43 ] . إنهم يقولون الحمد لله لأنه جل وعلا قد جمعهم ودلهم وأرشدهم إلى الثواب والنعيم دون منغصات ، والحمد لله هي عبادة يقولها المؤمنون في الآخرة لأنهم أدوا حق الله في تكاليفه في الدنيا ويعطيهم الله فوق ما يتوقعون في الآخرة . ونعيم الآخرة لا قيد عليه ، ولن يستطيع بشر مهما ارتقى بالابتكار أن يصل إلى ما في الجنة لأن الشيء يتحقق لك من فور أن يخطر ببالك { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } . وهذا الحمد لله كان في الدنيا عبادة تكليف ، أمّا في الآخرة فهو " عبادة غبطة وسرور وتلذذ " . { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } . يقولها المؤمن لأن الله لو لم ينزل منهجاً سماوياً يحدد له حركة حياته استقامة وينذره ويخوفه من المعاصي لما وصل إلى الجنة . والهداية - كما قلنا - هي الدلالة على الطريق الموصل للغاية ، إذن لا بد أن تعرف الغاية أولاً ثم تضع الطريق الموصل لها ، بحيث لا يكون معوجاً ولا يعترضك فيه ما يطيل عليك المسافة ، وقوله الحق : { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } يمنع أن يضع البشر للبشر قوانين تهديهم إلى الغاية لأن البشر أنفسهم لا يعرفون الغاية لذلك يوضحها لهم خالقهم بمنهجه المنزل على رسوله . وما دامت الهداية من الله فسبحانه لن يخاطب كل إنسان مباشرة ، لكنه سبحانه ينزل الرسل يتلون علينا آيات الله ويوضحون لنا المنهج لذلك يأتي الحق في الآية نفسها بقوله الحكيم : { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 43 ] . أنت في الحياة الدنيا حين تجد من يقول لك : إن أردت أن ترتاح فأنا أنصحك أن تمشي إلى المكان الفلاني واذهب إليه عن الطريق الفلاني ، وستجدك سعيداً مرتاح البال ، ثم صدقته ونفذت ما قال ، ووجدت الرجل صادقاً . ألا تشعر بالسعادة ؟ . وإذا كان الحق قد أرسل الرسل بالبينات والآيات والمنهج الصحيح ، وسار عليه المؤمنون ثم وجدوا الجنة والنعيم لذلك كان لابد أن يشكروا الله وأن يقولوا : { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } . ولأن الرسل لم يكذبوهم بل جاءوا بالخير لهم . { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . وكأن الحق يوضح لنا ونحن في دار التكليف أن نستقبل المنهج على هذا الأساس ، وعلى كل واحد أن يحدد مكانه من الجنة بقربه من منهج الله أو بعده عنه لأن دخول الجنة هو جزاء العمل طبقاً لمنهج الحق . ووقف العلماء هنا - جزاهم الله خيراً - وقالوا : كيف نوفق بين هذه الآية : { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ لأعراف : 43 ] . وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لن يُدخل أحداً عمله الجنة قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة " . وأقول : ليس هناك تناقض بين قول الله سبحانه وتعالى وقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي بلغ عن الله سبحانه ، بل بينهما تأييد فالحق ساعة ما شرع أوضح أن من يعمل العمل الصالح سيدخل الجنة ، وهذا التشريع لم يجبر أحد الله عليه ، بل هو الذي يعطيه لنا فضلاً منه فليس لأحد حق على الله لأنه لا يوجد عمل يعود بفائدة على الله ، واتباع المنهج إنما يعود على العبد بالمنفعة والخير ، فإن دخلت الجنة فهذا أيضاً بالفضل من الله . وينبهنا القرآن إلى الجمع بين هذه الآيات وأنه لا تعارض بين نص حديثي ونص قرآني . يقول : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] . فجزاء كل عمل عائد على الإنسان لأنه يأخذ مكافأته على فعله ، فإن كانت المكأفاة أكبر من جزاء الفعل فهي من الفضل لأن الحق هو القائل : { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] . وسبحانه أيضاً هو القائل : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] . إن فهمت اللغة وكنت صاحب ملكة ناضجة تقول : هذه " اللام " للملك . وتفيد أنه لاحق لك على الله إلا بسعيك على وفق منهج الله ، وأنّ هذه الآية قد حددت العدل ولم تحدد الفضل . { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ … } [ يونس : 58 ] . والمثال على ذلك أننا كمسلمين نصلى على الميت المسلم ، وقد أمرنا التشريع بذلك ، وأن ندعو الله أن يتجاوز عن سيئاته . فهل تضيف هذه الصلاة إلى الميت شيئا زائداً عن عمله ؟ لو لم تكن صلاة تضيف شيئاً لما أمر التشريع بها . فهي صلاة على ميت مسلم ، وإسلامه من عمله ، ونجد الحق يقول : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ … } [ الطور : 21 ] . أي أن الآباء والأبناء يشتركون معاً في الإيمان وفي العمل ، قوله تعالى : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ … } [ الطور : 21 ] . هذا الإلحاق يفيد أن منزلة الذرية كانت أقل من منزلة الآباء ، لكن الحق يرفع من منزلتهم إكراماً للآباء . وهذا الإلحاق جزاء للذرية ، وقد يكون أيضاً جزاء للآباء فيحضر لهم أولادهم معهم ما دام الكل قد اشتركوا في الإيمان ، وكان الآباء يتحرون الحلال في إطعام الأبناء ولا يربونهم إلا على منهج الله . وقد يرى الآباء أبناء جار له يلبسون الملابس الفاخرة ويأكلون الأكل الطيب ، ويتحمل الأبناء ويعيشون عيش الكفاف مع هذا الأب الملتزم بالعمل الصالح والأجر الحلال ، وينال الأبناء الجنة مع الأب لأنهم تحملوا معه مشاق الالتزام بالحلال . وهكذا نجد كل إنسان مؤمن قد أخذ نتيجة عمله وزيادة . { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ لأعراف : 43 ] . و { أُورِثْتُمُوهَا } من " الإرث " وتدل على أن هناك شيئاً آل إلى الغير . ونعلم أن الله ، علم أزلا كيف سيسلك كل مخلوق وما سيفعله من كفر وإيمان وطاعة ومعصية ، وعلى رغم ذلك أعد سبحانه لكل واحد من خلقه مكانه في الجنة على أنه مؤمن ، وأعد لكل واحد من خلقه مكاناً في النار على أساس أنه سيكفر . إذن فقد أعدَّ سبحانه جناناً بعدد خلقه ، وأعدَّ أماكن في الجحيم بعددهم ، فليست هناك أزمة أماكن عند إله قادر مقتدر . فإن آمنا كلنا فلن يضيق بنا واسع الجنة ، و - والعياذ بالله - إن كفر الخلق جميعاً فلن تضيق بهم النار . فإذا كانوا جماعة من خلق سيدخلون الجنة بالعمل ، فأين تذهب أماكن أهل النار ؟ إن الحق بفضل منه يمنحها المؤمنين . إذن فقد ورثوا الذين لم يستحقوا الجنة بسبب الكفر . وبعد الكلام في الجنة والجزاء وفي حمد التلذذ والسرور والغبطة وفي عهد الجنة ، بعد ذلك كان من المناسب أن يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن موقف أهل الجنة من أهل النار فيقول سبحانه : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ … } .