Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 53-53)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وما معنى التأويل ؟ … التأويل هو ما يؤول إليه الشيء ، هو العاقبة التي يعدها الحق ، فالرحمة والجنة لمن آمن ، والنار لمن كفر ، والحق هو من يقول ويملك قوله لأن الكون كله بيده . وهنا يقول سبحانه وتعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } . أي هل ينتظرون إلا المرجع الذي يؤول إليه عملهم ؟ إن مرجعهم الأخير هو العذاب بعد الحساب يوم يأتي تأويل وغاية وعاقبة ما عملوا . وحين يأتي يوم القيامة ويتضح الحق ويظهر صدق ما جاء به الرسول من الوعد والوعيد ماذا سيكون قولهم ؟ … سيقولون ما أورده سبحانه على ألسنتهم : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } . أي أنهم سيعلنون التصديق حين لا ينفع هذا التصديق لأنهم لن يكونوا في دار التكليف ، سيقرون بالإِيمان لحظة لا ينفعهم ذلك . { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ … } [ الأعراف : 53 ] . هم إذن يقرون بأن الرسل حملت المنهج الحق ويتساءلون عن الشفيع . ونعلم أن الشفيع لابد أن يكون محبوباً عند من يشفع عنده ، ونحن في الدنيا نجد من يبحث لنفسه عمن يشفع له عند صاحب جاه يكون أثيراً وعزيزاً لديه ، أو يكون له كلمة وفضل عليه فلا يرد عليه كلمته . فمن يأتي يوم القيامة بالشفاعة لهؤلاء ؟ … لا أحد ، وسنجدهم يتخذون الشفعاء من الذين اتخذوهم أنداداً لله . وسيعلن هؤلاء أيضاً الكراهية لهم ، ولو مكنهم الله من الشفاعة ما أعطوها للكافرين المشركين ففي الدنيا كان هؤلاء مؤتمرين بأمر البشر وضلالاتهم . أما يوم الحساب فلا أحد خاضع لإِرادة أحد ، حتى الجوارح لا تخضع لإِرادة صاحبها ، بل هي خاضعة للحق الأعلى . وفي الآخرة لا مرادات لأحد . وقد ضربنا من قبل المثل وقلنا : هب أن سرية في جيش ما وعليها قائد صغير برتبة ضابط ، ومفروض في جنود السرية أن ينفذوا كلامه ، ثم راحوا لموقعة وأعطاهم الضابط الصغير أوامر خاطئة بما له من فرض إرادة عليهم فنفذوا ما أمروا به . ولحظة أن يعودوا ويحاسبهم القائد الأعلى فسيقولون : لقد فعلنا ما أمرنا به الضابط المكلف بقيادتنا ، وكذلك ستأتي الجوارح في الآخرة : تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وألسنتهم وجلودهم . إذن فالأبعاض سترفع شكواها إلى الله يوم ألا يكون لأحد من ملك سواه ، ويومئذ سيقول المكذبون الصدق الذي لن ينفعهم . { قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ … } [ الأعراف : 53 ] . وسوف يبحثون عن شفاعة ، لكنهم لن يجدوا ، بل إن أول من يسخر من الذين عبدوا غير الله هم المعبودون أنفسهم . ولذلك نجد قوله الحق سبحانه : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] . وما ذنب المعبود ؟ … إن الأصنام لا ذنب لها ، بل كل منها يريد أن يشفي نفسه بأن يكون أداة تعذيب لمن أعطوه غير حقه . ولذلك نجد أن الأحجار التي عُبدت تقول : عبدونا ونحن أعبد لله من القائمين بالأسحار لأن القائم في الأسحار من الأغيار قد يختار أمراً غير هذا ، ولكنا كنا مقهورين على الطاعة ، وقد اتخذوا صمتنا علينا دليلاً . إن الأحجار تعلن أنها لم تكن تملك قدرة رفض أن يعبدها أحد أو أن تبعده عنها وتعلن له غباءه . والشاعر يقول : @ قد تجنوا جهلاً كما قد تجنوا على ابن مريم والحواري للمغالي جزاؤه والمغالي فيه تنجيه رحمة الغفار @@ وهكذا يأتيهم الحق واضحاً يوم القيامة . إنهم سيطلبون العودة إلى الدنيا ، وهذا من الخيبة لأن مثل هذا الإِقرار ليس من الإِيمان ، فالإِيمان يكون بالغيب لا في المشهد . وحتى ولو عادوا ، فلن يؤمنوا ! . والحق هو القائل : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ … } [ الأنعام : 28 ] . وكأنهم نسوا لحظة إقرارهم أنهم من الأغيار ، وأتى فيهم القول الفصل من الله . { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ الأعراف : 53 ] . لقد جاء لهم الخسران بعد أن غاب عنهم ما كانوا يفترون على الله في الدنيا ، إنهم رفضوا عبادته - سبحانه - وعبدوا غيره أصناماً صارت وقوداً للنار التي سيصلونها . ويقول الحق بعد ذلك : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ … } .