Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 58-58)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن الآية السابقة عالجت قضية البعث بضرب المثل بالآية الكونية الموجودة فالرياح التي تحمل السحاب ، والسحاب يساق إلى بلد ميت وينزل منه الماء فيخرج به الزرع . والأرض كانت ميتة ويحييها الله بالمطر وهكذا الإِخراج بالبعث وهذه قضية دينية ، ويأتي في هذه الآية بقضية دينية أيضا : { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } . والبلد الطيب هو البلد الخصب الذي لا يحتاج إلا إلى المياه فيخرج منه الزرع ، أما الذي خبث ، فمهما نزل عليه الماء فلن يخرج نباته إلاّ بعد عناء ومشقة وهو مع ذلك قليل وعديم النفع . وهنا يخدم الحق قضية دينية مثلما خدم القضية الدينية في البعث أولاً . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس ، فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وأصاب طائفة أخرى منها ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ، ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به " . إذن فالمنهج ينزل إلى الناس وهم ثلاثة أقسام قسم يسمع فينفع نفسه وينقل ما عنده إلى الغير فينفع غيره مثل الأرض الخصبة شربت الماء وقبلته ، وأنبتت الزرع ، وقسم يحملون المنهج ويبلغونه للناس ولا يعملون به وينطبق عليهم قوله الحق : { لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 ] . صحيح سينتفع الناس من المنهج ، ولذلك قال الشاعر : @ خذ بعلمي ولا تركن إلى عملي واجن الثمار وخل العود للنار @@ ويقول صلى الله عليه وسلم : " من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " . فستر المؤمن على المؤمن مطلوب وستر المؤمن على العالم آكد وأشدّ طلباً لأن العالم غير معصوم وله فلتات ، وساعة ترى زلته وسقطته لا تُذِعْها لأن الناس سينتفعون بعلمه . فلا تشككهم فيه ، والقسم الثالث هو من لا يشرب الماء ولا يسقيه لغيره أي الذي لا ينتفع هو ، ولا ينفع غيره . { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } [ الأعراف : 58 ] . إذن منهج الله مثله مثل المطر تماماً فالمطر ينزل على الأرض ليرويها وتخرج النبات وهناك أرض أخرى لا تنتفع منه ولكنها تمسكه فينتفع غيره ، وهناك من لا ينتفع ولا ينفع ، فكذلك العلم الذي ينزله الله على لسان رسوله . { وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } . قلنا من قبل : إن الآيات تطلق على معانٍ ثلاثة : الآيات الكونية التي نراها واقعة في الكون مثل قوله الحق : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ … } [ فصلت : 37 ] . وآيات هي آيات القرآن ، والآيات التي تكون هي المعجزات للأنبياء . { كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } [ الأعراف : 58 ] . الآيات هنا هي الكونية كالماء الذي ينزل ، إنه مثل المنهج ، من أخذ به فاز ونجا ، ومن تركه وغوى وكل آيات الله تقتضي أن نشكر الله عليها . ويقول الحق بعد ذلك : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ … } .