Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الطائعين وعن العاصين في الدنيا ، وتكلم عن مواقف الآخرة الجزائية في أصحاب الجنة ، وأصحاب النار والأعراف أراد أن يبين بعد ذلك أن كل دعوة من دعوات الله سبحانه لأهل الأرض لا بد أن تلقي عنتاً وتضييقاً ، وتلقى إعراضاً ، وتلقى إيذاء ، إنه - سبحانه - يريد بذلك أن يعطي المناعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فيوضح له : لست أنت بدعاً من الرسل لأن كل رسول جاء إلى قومه قوبل بالاضطهاد ، وقوبل بالتكذيب ، وقوبل بالنكران ، وقوبل بالإيذاء ، وإذا كان كان كل رسول قد أخذ من هذا على قدر مهمته الرسالية زماناً محدوداً ، ومكاناً محصوراً فأنت يا رسول الله أخذت الدنيا كلها زماناً ومكاناً ، فلا بد أن تكون مواجهاً لمصاعب تناسب مهمتك ورسالتك فأنت في قمة الرسل ، وستكون الإيذاءات التي تنالك وتصيبك قمة في الإيذاء ، فلست بدعاً من الرسل ، فوطّن نفسك على ذلك . وحين توطن نفسك على ذلك ستلقى كل إيذاء وكل اضطهاد بصبر واحتمال في الله ، وقص الحق قصص الرسل على رسول الله ، وعبر الله بالهدف من قص القصص بقول : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ … } [ هود : 120 ] . فكأن القصص تثبيت لفؤاده صلى الله عليه وسلم ، فكلما أهاجه نكران ، أو كلما أهاجه جحود ، قص عليه الحق - سبحانه - قصة رسول قوبل بالنكران وقوبل بالجحود ليثبت به فؤاده صلى الله عليه وسلم وفؤاد أتباعه لعلهم يعرفون كل شيء ويوطنون أنفسهم على هذا العنت فلم يقل الحق لأتباع محمد : إنكم مقبلون على أمر والأرض مفروشة لكم بالورود ، لا . إنما هي متاعب لتجابهوا شر الشيطان في الأرض . والقصص له أكثر من هدى يثبت به فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ويبين له أنه ليس بدعاً من الرسل ، ويقوي نفوس أتباعه لأنهم حينما يرون أن أهل الحق مع الأنبياء انتصروا ، وهزم الجمع وولّى الدبر ، وأنهم منصورون دائماً فهذا يقوي يقين المؤمنين ، ويكسر من جهة أخرى نفوس الكافرين مثلما قال الحق عن واحد من أكابر قريش . { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } [ القلم : 16 ] . قال الحق لهم ذلك عن واحد من أكابر قريش وهم لا يقدرون حينئذ أن يدافعوا أو يذودوا عن أنفسهم ، وذهبوا وهاجروا إلى الحبشة حماية لأنفسهم من بطش هؤلاء الأكابر ، وكل مؤمن يبحث له عمن يحميه ، وينزل قوله الحق بعد ذلك في الوليد بن المغيرة { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } ، والوليد بن المغيرة سيد في قومه ، ويأتي يوم بدر فيوجد أنفه وقد ضرب وخطم ويتحقق قول الله : { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } [ القلم : 16 ] . فمن - إذن - يحدد ضربة قتال بسيف في يد مقاتل قبل أن يبدأ القتال ؟ لقد حددها الأعلم بما يكون عليه الأمر . وأيضاً فقصص الرسل إنما جيء بها ليثبت للمعاصرين له أنه تلقى القرآن من الله لأنه رسول أميّ والأمة أمية ، ولم يدّع أحد من خصومه أنه جلس إلى معلم ، أو قرأ كتاباً ، فمن أين جاءته هذه الأخبار إذن ؟ واسمع قول الحق سبحانه وتعالى في الآيات التي يأتي فيها : " ما كنت " مثل قوله الحق : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ … } [ القصص : 44 ] . ومثل قوله الحق : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] . ومثل قوله : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ … } [ آل عمران : 44 ] . فمن أين جاءت هذه الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه لم يجلس إلى معلم ولم يقرأ كتاباً ؟ لقد جاءت كلها من الحق سبحانه وتعالى ، وهذا دليل آخر على صدق رسالته . وقصة سيدنا نوح من القصص التي وردت كثيراً في القرآن الكريم مثل قصة موسى عليه السلام ، ومن العجيب أن لقطات القصة تنتشر في بعض السور ، لكن السورة التي سميت بسورة نوح ليس فيها من المواقف التي تعتبر من عيون القصة ، إنها تعالج لقطات أخرى تعالج إلحاحه في دعوة قومه ، وأنه ما قصّر في دعوتهم ليلاً ونهاراً ، وسرّاً وعلانية ، كلما دعاهم ابتعدوا ، ولم تأت قصة المركب في سورة نوح ، ولا قصة الطوفان ، وهذه لقطات من عيون القصة ، وكذلك لم تأتِ فيها قصته مع ابنه ، بل جاء بها في سورة هود . إذن كل لقطة جاءت لوضع مقصود ، ولهذا رأينا قصة نوح في سورة " نوح " وقد خلت من عناصر مهمة في القصة ، وجاءت هذه العناصر في سورة " هود " أو في سورة " الأعراف " التي نتناولها الآن بالخواطر الإِيمانية . إذن ، كل قصة من القصص القرآني تجدها قد جاءت تخدم فكرة ، ومجموعها يعطي كل القصة لأن الحق حين يورد القصص فهو يأتي بلقطة في سورة لتخدم موقفاً ، ولقطة أخرى تخدم موقفاً آخر وهكذا . وحين شاء أن يرسل لنا قصة محبوكة تماماً ، جاء بقصة " يوسف " في سورة يوسف ولم يكررها في القرآن ، لأنها مستوفية في سورة يوسف ، اللهم إلا في آية واحدة : { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً … } [ غافر : 34 ] . لقد وردت في سورة يوسف حياة يوسف منذ أن كان طفلاً حتى أصبح عزيز مصر ، وهكذا نرى أن الحق حين يشاء أن يأتي بالقصة كتاريخ يأتي بها محبوكة ، وحين يريد أن يلفتنا إلى أمور فيها مواقف وعظات ، يوزع لقطات القصة على مواقع متعددة تتناسب وتتوافق مع تلك المواقع لتأكيد وخدمة هدف . { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ … } [ الأعراف : 59 ] . وساعة ترى " اللام " و " قد " فاعرف أن هذا قسم ، وكأن الحق يقول : وعزتي وجلالي لقد أرسلت نوحاً . وهو بهذا يؤكد المقسم عليه . والقوم هم الرجال خاصة من المعشر لأن القوم عادة هم المواجهون للرسالة ، والمرأة محتجبة تسمع من أبيها أو من أخيها أو من زوجها ، ولذلك قالت النساء للنبي : غلبنا عليك الرجال . أي أننا لا نجد وسيلة لنقعد معك ونسألك ، فاجعل لنا يوماً من أيامك تعظنا فيه ، فجعل لهن يوماً لأن المفروض أن تكون المرأة في ستر ، وبعد ذلك ينقل لها الزوج المنهج . إن سمع من الرسول شيئاً ، وكذلك الأب يقول لابنته ، والأخ يقول لأخته . فإذا تكلم الرسول يقال : إن الرسول واجه القوم ، من قولهم هو قائم على كذا . وقيم على كذا . ولذلك الشاعر العربي يقول : @ وما أدرى ولست أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء @@ وجاء هنا بالقوم ، والمراد بهم الرجال ، والقرآن يقول : { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ … } [ الحجرات : 11 ] . إذن فالنساء لا تدخل في القوم فالقوم هم المواجهون للرسول ومنهم تأتي المتاعب والتصلب في الرأي ، ويكون الإِنكار والجحود والحرب منهم . وسيدنا نوح عليه السلام دعا قومه ونبههم إلى ثلاثة أشياء : عبادة الله ، فقال : { يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } ، وبين لهم أنه ليس هناك إله سواه فقال : { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } ، وأظهر لهم حرصه وإشفاقه عليهم إذا خالفوا وعصوا فقال : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . وهكذا تكلم عن العقيدة في الإِله الواحد المستحق للعبادة ، وليس آلهة متعددة ، ونعبده أي نطيع أمره ونهيه ، ولأنهم إن لم يفعلوا ذلك فهو يخاف عليهم من عذاب يوم عظيم ، وهو عذاب يوم القيامة . أو أنّ الله كان قد أوحى له بأنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وعذاب يوم عظيم أي يوم الإِغراق ، و " الخوف " مسألة تتعب تفكير من يستقبلها ويخاف أن يلقاها . فمن الذي يفزع بهذا ؟ إن الذي يفزع هم الطغاة والجبابرة والسادة والأعيان ووجوه القوم ، وكانوا قد جعلوا من أنفسهم سادة ، أما سائر الناس وعامتهم فهم العبيد والمستضعفون . والذي يهاج بهذه الدعوة هم السادة لأنه ليس هناك إلا إله واحد ، والأمر لواحد والنهي لواحد والعبادة والخضوع لواحد ، ومن هنا فسوف تذهب عنهم سلطتهم الزمنية ، لذلك يوضح الحق لنا موقف هؤلاء من الدعوة حين يقول : { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ … } .