Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 86-86)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ } أي لا تقعدوا على كل طريق ، لأن من يقعد على الطريق قد يمنع من يحاول الذهاب ناحية الرسول . والشيطان قد قال : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] . فحين تقعدون على كل صراط يصير كل منكم شيطاناً والعياذ بالله لأن الشيطان قال لربنا : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } ، وهنا ينهى الحق عن القعود بكل صراط لأن الصراط سبيل ، وحين يجمع الحق السبل لينهي عنها ، إنما ليذكرنا أن له صراطاً مستقيماً واحداً ، وسبيلاً واحداً يجب علينا أن نتبعه . ولذلك يقول : { فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] . إذن فللشيطان سبل متعددة وسبيل الاستقامة واحد ، لأن للطرق المتعددة غوايات منوعة ، فهذا طريق يغوي بالمال ، وذلك يغوي بالمرأة ، وذاك يغوي بالجاه . إذن فالغوايات متعددة . أو أن الهداية التي يدعو إليها كل رسول شائعة في كل ما حوله فمن يأتي ناحية أي هداية يجد من يصده . ومن يطلب هداية الرسول يلقى التهديد والوعيد ، والمنع عن سبيل الحق . ولماذا يفعلون ذلك ؟ تأتي إجابة الحق : { وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً } . إنهم يبغون ويودون شريعة الله معوجة ومائلة وزائغة عن الاستقامة ، أو تصفونها بأنها غير مستقيمة لتصدوا الناس عن الدخول فيها ، ولتنفروا منها ، مثال ذلك السخرية من تحريم الخمر والادعاء بأنها تعطي النفس السرور والانسجام . إن الواحد من هؤلاء إنما ينفر من شريعة الله ، ويدعي أنها شريعة معوجة ، فنجد من يحلل الربا لأن تحريم الربا في رأيهم السقيم المنحرف يضيق على الناس فرصهم . إنهم يبغون شريعة الله معوجة ليستفيدوا من اعوجاجها ، وينفروا الناس منها . { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } . [ الأعراف : 86 ] . نعلم أن كل ردع ، وكل توجيه يهدف إلى أمرين اثنين : ترغيب وترهيب ، وعلى سبيل المثال نجد المدرس يقول للتلاميذ : من يجتهد فسنعطيه جائزة ، وهذا ترغيب ، ويضيف الأستاذ قائلاً للتلاميذ : ومن يقصر في دروسه فسنفصله من المدرسة وهذا ترهيب . وما دام الناس صالحين لعمل الخير ولعمل الشر بحكم الاختيار المخلوق فيهم لله فلا بد من مواجهتهم بالأمرين بالترغيب في الخير والترهيب في الشر . والحق هنا يقول في الترغيب : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } . وكأنه يطالبهم بأن يكونوا أصحاب ذوق وأدب ، فنحن نعلم أن مدين تزوج وأنجب عدداً من الذرية وكانوا قلة في العدد فكثرهم حتى صاروا قبيلة ، وكانوا ضعافاً فقواهم ، وكانوا فقراء فأغناهم ، فمن صنع فيكم ولكم كل هذه المسائل ألا يصح أن تطيعوا أوامره . كان عليكم أن تطيعوا أوامره . وهذا ترغيب وتحنين . ونعلم أن شعيباً هو خامس نبي جاء بعد نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط . لذلك يذكرهم الحق بما حدث لمن كذبوا الأنبياء الأربعة السابقين . وقد يكون قوم نوح معذورين لأنهم كانوا البداية ، فلم يسبقهم من أخذ بالعذاب لتكذيب رسلهم ، ثم صارت من بعد ذلك قاعدة هي أن من يكذب الرسل يلقى العذاب ، مصداقاً لقوله الحق : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } [ العنكبوت : 40 ] . فإذا كان شعيب ينذرهم بأن ينظروا كيف كان عاقبة المفسدين ممن سبقوهم فهذا تذكير بمن أغرقهم ومن أخذتهم الصيحة ، ومن كفأ وقلب ودمر ديارهم ، ومن جاء لهم بمطر من سجيل ، فإن لم يعرفوا واجبهم نحو الله الذي أنعم عليهم بأن كانوا قليلاً فكثرهم ، فعليهم أن يخافوا عاقبة المفسدين . إذن فقد جمع لهم بين الترغيب والترهيب . ويقول الحق بعد ذلك : { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ … } .