Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

علمنا من قبل أن الملأ هم السادة ، والأعيان الذين يملأون العيون هيبة ، ويملأون القلوب هيبة ، ويملأون الأماكن تحيزاً . وقد استكبر الملأ من قوم شعيب عن الإيمان به ، وطغوا وهددوه بأن يخرجوه من أرضهم . وقالوا مثلما قال من سبقوهم . فقد نادى بعض من قوم لوط بأن يخرجوا لوطاً ومن آمن معه من قريتهم . قال تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [ النمل : 56 ] . وكلمة " قرية " تأخذ في حياتنا وضعاً غير وضعها الحقيقي ، فالقرية الآن هي الموقع الأقل من المدينة الصغيرة . لكنها كانت قديماً البلد الذي توجد فيه كل متطلبات الحياة ، بدليل أنهم كانوا يقولوا عن مكة " أم القرى " . وقد وضع الملأ شعيباً ومن آمن معه بين أمرين : إما أن يخرجوهم حتى لا يفسدوا من لم يؤمن فيؤمن ، وإما أن يعودوا إلى الملة . وهنا " لفتة لفظية " أحب أن تنتبهوا إليها في قوله : { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } لأن العود يقتضي وجوداً سابقاً خُرِجَ عنه ، ونريد أن نعود إلى الأصل ، فهل كان شعيب والذين آمنوا معه على ملتهم ثم آمنوا والمطلوب منهم الآن أنهم يعودون ؟ علينا أن ننتبه إلى أن الخطاب هنا يضم شعيباً والذين آمنوا معه . وقد يصدق أمر العودة إلى الملة القديمة على الذين مع شعيب ، ولكنها لا تصدق على شعيب لأنه نبي مرسل ، وهنا ننتبه أيضاً إلى أن الذي يتكلم هنا هم الملأ من قوم مدين ، ووضعوا شعيباً والذين آمنوا معه أمام اختيارين : إما العودة إلى الملة ، وإمَّا الخروج ، ونسوا أن الحق قد يشاء تقسيماً آخر غير هذين القسمين . فقد يوجد ويريد سبحانه أمراً ثالثاً لا يخرج فيه شعيب والذين آمنوا معه ، وأيضاً لا يعودون إلى ملة الكفر ، كأن تأتي كارثة تمنع ذلك . لقد عزل الملأ من قوم شعيب أنفسهم عن المقادير العليا ، لأن الله قد يشاء غير هذين الأمرين ، فقد يمنعكم أمر فوق طاقتكم أن تُخْرِجوا شعيباً ومن آمن معه بأن يصيبكم ضعف لا تستطيعون معه أن تخرجوهم ، أو أن يسلط الله عليكم أمراً يفنيكم وينجي شعيباً والذين آمنوا معه . إذن أنت أيها الإِنسان الحادث ، العاجز لا تفتئت ولا تفتري وتختلق على القوة العليا في أنك تخير بين أمرين قد يكون لله أمر ثالث لا تعلمه ، ويأتي الرد على لسان مَن آمنوا مع شعيب : { قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } [ الأعراف : 88 ] . لقد سأل شعيب والذين معه : أيمكن أن يتم قهر أحد على أن يترك الإِيمان إلى الكفر ، كأن الكافرين قد تناسوا أن التكليف مطمور في الاختيار ، فالإِنسان يختار بين سبيل الإِيمان وسبيل الكفر . ويتتابع القول من شعيب والذين آمنوا معه : { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً … } .