Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 89-89)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقولهم : { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ } أي أنهم يعلمون أن العودة إلى مثل هذه الملة لون من الكذب المتعمد على الله . لأن الكذب أن تقول كلاماً غير واقع ، وتعلن قضية غير حقيقية إن أنت قلتها على مقتضى علمك فهذا مطلق كذب . لكن إن كنت عارفاً بالحقيقة ثم قلت على مقتضى علمك فهذا مطلق كذب . لكن إن كنت عارفاً بالحقيقة ثم قلت غيرها فهذا افتراء واختلاق وكذب . والذين آمنوا مع شعيب عليه السلام يعلمون أن الملة القديمة ملة باطلة ، وهم قد شهدوا مع شعيب حلاوة الإِيمان بالله لذلك رفضوا الكذب المتعمد على الله . ويقولون بعد ذلك : { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الأعراف : 89 ] . قد عرفوا أن التكليف اختيار وهم قد اختاروا الإِيمان ، وأقروا وأكدوا إيمانهم بأنه سبحانه له طلاقة القدرة ، فقالوا : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } . فمشيئته سبحانه فوق كل مشيئة . ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن قلوب بني آدم كلَّها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقَلْبٍ واحدٍ يصرفُه حيث شاء " . وألم يقل سيدنا إبراهيم وهو أبو الأنبياء والرسل : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] . لم يقل : واجنبنا . بل قالها واضحة ودعا ربًّه أن يبعده وينأى به وببنيه أن يعبدوا الأصنام ، لأنه يعلم طلاقة قدرته سبحانه . إذن فمن آمنوا مع شعيب احترموا طلاقة القدرة في الحق لذلك قالوا : { وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا } [ الأعراف : 89 ] . ولكن الله لا يشاء لمعصوم أن يعود ، وسبحانه يهدي من آمن بهداية الدلالة ويمده بالمزيد من هداية المعونة إلى الطريق المستقيم . ويتابع أهل الإيمان مع شعيب . { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [ الأعراف : 89 ] . جاء قولهم : { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } لأن خصومهم من الملأ بقوتهم وبجبروتهم قالوا لهم : أنتم بين أمرين اثنين : إمّا أن تخرجوا من القرية ، وإمّا أن تعودوا في ملتنا . وأعلن المؤمنون برسولهم شعيب : أن العود في الملة لا يكون إلا بالاختيار وقد اخترنا ألا نعود . إذن فليس أمامهم إلا الإخراج بالإجبار لذلك توكل المؤمنون على الله ليتولاهم ، ويمنع عنهم تسلط هؤلاء الكافرين . { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [ الأعراف : 89 ] . وساعة نسمع كلمة " افتح " أو " فتَح " أو " فَتْح " نفهم أن هناك شيئاً مغلقاً أو مشكلاً ، فإن كان من المُحسّات يكون الشيء مغلقاً والفتح يكون بإزالة الأغلاق وهي الأقفال ، وإن كان في المعنويات فيكون الفتح هو إزالة الإشكال ، والفتح الحسي له نظير في القرآن ، وحين نقرأ سورة يوسف نجد قوله الحق : { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا } [ يوسف : 65 ] . وكلمة { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ } تعني أن المتاع الذي معهم كان مغلقاً واحتاج إلى فتح حسّي ليجدوا بضاعتهم كما هي . وأيضاً يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] . وما دام هناك أبواب تفتح فهذا فتح حسّي ، وقد يكون الفتح فتح علم مثلما نقول : ربنا فتح علينا بالإيمان والعلم ، ويقول الحق : { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ } [ البقرة : 76 ] . فما دام ربنا قد علمهم من الكتاب الكثير فهذا فتح علمي . ويكون الفتح بسوق الخير والإمداد به . والمثال على ذلك قوله الحق : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } [ فاطر : 2 ] . وكذلك قوله سبحانه : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] . والبركات من السماء كالمطر وهو يأتي من أعلى ، وهو سبب فيما يأتي من الأسفل أي من الأرض . والفتح أيضاً بمعنى إزالة إشكال في قضية بين خصمين ، ففي اليمن حتى الآن ، يسمون القاضي الذي يحكم في قضايا الناس " الفاتح " لأنه يزيل الإشكالات بين الناس . وقد يكون " الفتح " بمعنى " النصر " ، مثل قوله الحق : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ البقرة : 89 ] . لقد كانوا ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لينتصروا به على الذين كفروا ، ومن الفتح أيضاً الفصل في الأمر من قوله الحق هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [ الأعراف : 89 ] . وهذا القول هو دعاء للحق : احكم يا رب بيننا وبين قومنا بالحق بنصر الإِيمان وهزيمة الكفر ، وأنت خير الفاتحين فليس لك هوى ضد أحد أو مع أحدٍ من مخلوقاتك . ويقول الحق بعد ذلك : { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } .