Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 96-96)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي أنهم لو آمنوا بالموجود الأعلى ، واتقوا باتباع منهجه أمراً ونهيًا تسلم آلاتهم ، لأن الصانع من البشر حتى يصنع آلة من الآلات ، يحدد ويبيّن الغاية من الآلة قبل أن يبتكرها ، ويصمم لها أسلوب استخدام معين ، وقانون صيانة خاصا لتؤدي مهمتها ، فما بالنا بمن خلق الإِنسان ، إذن فالبشر إذا تركوا رب الإِنسان يضع منهج صيانة الإِنسان لعاش هذا الإِنسان في كل خير ، وسبحانه وتعالى أوضح أنهم إن اتقوا ، تأت لهم بركات من السماء والأرض ، فإن أردتها بركات مادية تجدها في المطر الذي ينزل من أعلى ، وبركات من الأرض مثل النبات ، وكذلك كنوزها التي تستنبط منها الكماليات المرادة في الحياة . وما معنى البركة ؟ . البركة هي أن يعطي الموجودُ فوق ما يتطلبه حجمه كواحد مرتبه خمسون جنيهاً ونجده يعيش هو وأولاده في رضا وسعادة ، ودون ضيق ، فنتساءل : كيف يعيش ؟ ويجيبك : إنها البركة . وللبركة تفسير كوني لأن الناس دائماً - كما قلنا سابقاً - ينظرون في وارداتهم إلى رزق الإِيجاب ، ويغفلون رزق السلب . رزق الإِيجاب أن يجعل سبحانه دخلك آلاف الجنيهات ولكنك قد تحتاج إلى أضعافهم ، ورزق السلب يجعل دخلك مائة جنيه ويسلب عنك مصارف كثيرة ، كأن يمنحك العافية فلا تحتاج إلى أجر طبيب أو نفقة علاج . إذن فقوله : { بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي أن يعطي الحق سبحانه وتعالى من القليل الكثير في الرزق الحلال ، ويمحق الكثير الذي جاء من الحرام كالربا ، ولذلك سمى المال الذي نخرجه عن المال الزائد عن الحاجة سماه زكاة مع أن الزكاة في ظاهرها نقص ، فحين تملك مائة جنيه وتخرج منها جنيهين ونصف الجنيه يكون قد نقص مالك في الظاهر . وإن أقرضت أحداً بالربا مائة جنيه فأنت تأخذها منه مائة وعشرة ، لكن الحق سمى النقص في الأولى نماء وزكاة ، وسمى الزيادة في الثانية محقاً وسحتاً ، وسبحانه قابض باسط . { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الأعراف : 96 ] . إذن فلو أخذ الإِنسان قانون صيانته من خالقه لاستقامت له كل الأمور ، لكن الإِنسان قد لا يفعل ذلك . ويقول الحق : { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . وهكذا نعلم أن الأخذ ليس عملية جبروت من الخالق ، وإنما هي عدالة منه سبحانه لأن الحق لو لم يؤاخذ المفسدين ، فماذا يقول غير المفسدين ؟ . سيقول الواحد منهم : ما دمنا قد استوينا والمفسدين ، وحالة المفسدين تسير على ما يرام ، إذن فلأفسد أنا أيضاً . وذلك يغري غير المفسد بأن يفسد ، ويعطي لنفسه راحتها وشهواتها ، لكن حين يأخذ الله المفسدين بما كانوا يكسبون ، يعلم غير المفسد أن سوء المصير للمفسد واضح ، فيحفظ نفسه من الزلل . كان القياس أنه يقول سبحانه : بما كانوا يكتسبون ، لأن مسألة الحرام تتطلب انفعالات شتى ، وضربنا المثل من قبل بأن إنساناً يجلس مع زوجته ، وينظر إلى جمالها ويملأ عينيه منها ، لكن إن جلس مع أجنبية وأراد أن يغازلها ليتمتع بحسنها ، فهو يناور ويتحايل ، وتتضارب ملكاته بين انفعالات شتى ، وهو يختلف في ذلك عن صاحب الحلال الذي تتناسق ملكاته وهو يستمتع بما أحل له الله ، ولكنْ هؤلاء المفسدين تدربوا على الفساد فصار دربة تقرب من الملكة فقال فيهم الحق : إنهم يكسبون الفساد ، ولا يجدون في ارتكابه عنتا . ويقول الحق بعد ذلك : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ … } .