Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي أن الملائكة هي بشرى لكم ، وأنتم الذين تقاتلون أعداءكم ، وسبحانه وتعالى هو القائل : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] . قال الحق سبحانه وتعالى ذلك للمؤمنين وهم يدخلون أول معركة حربية ، ويواجهون أول لقاء مسلح بينهم وبين الكافرين ، لأنهم إن علموا أن الملائكة ستقاتل وتدخل ، فقد يتكاسلون عن القتال ويدخلون إلى الحرب بقلوب غير مستعدة ، وبغير حمية ، فأوضح ربنا : أنا جعلت تدخل الملائكة بشرى لكم ، و { لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } ، أي أن عدد الملائكة يقابل عدد جيش الكفار ، والزيادة في العدد هي أنتم يا من خرجتم للقتال . واعلموا أن الملائكة هي لطمأنة القلوب . لكن الحق يريد أن يعذبهم بأيديكم أنتم ، لأن الله يريد أن يربي المهابة لهذه العصبة بالذات ، بحيث يحسب لها الناس ألف حساب . واختلفت الروايات في دور الملائكة في غزوة بدر ، فنجد أبا جهل يقول لابن مسعود : ما هذه الأصوات التي أسمعها في المعركة ؟ فقد كانت هناك أصوات تُفزع الكفار في غزوة بدر - ويرد ابن مسعود على أبي جهل : إنها أصوات الملائكة . قال : إذن بالملائكة تغلبون لا أنتم … فإياكم أن تفتنوا حتى بالملائكة لأن النصر لا منكم ولا من الملائكة ، ولكن النصر من عندي أنا لأن الذي تحب أن ينصرك ، لا بد أن تكون واثقاً أنه قادر على نصرتك ، والبشر مع البشر يظنون الانتصار من قبل الحرب ، ومن الجائز أن يغلب الطرف الآخر ، لكن النصر الحقيقي من الذي لا يُغْلَب وهو الله سبحانه وتعالى : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } . وأنت حين تستنصر أحداً لينصرك على عدوك فهذا الذي تستنصر به إن كان من جنسك يصح أن يَغْلِب معك ويصح أن تنغلب أنت وهو ، لكنك تدخل الحرب مظنة أنك تغلبَ مع من ينصرك وقد يحدث لكما معاً الهزيمة أمَّا الحقُّ سبحانه وتعالى فهو وحده الذي لا يُغَالَب ولا يُغْلَب . { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . وهو سبحانه وتعالى الناصر ، وهكذا يكون المؤمن الذي يقاتل بحمية الإيمان واثقاً من النصر ، لكن إياكم أن تظنوا أن النصر من الله لا يصدر عن حكمة ، إن وراء نصر الله للمؤمنين حكمةً ، فإن تهاونتم في أي أمر يُسلب منكم النصر لأن الله لا يغير سننه مع خلقه ، وقد رأينا ما حدث في غزوة أحد حين تخاذلوا ولم ينفذوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينتصروا لأن الحكمة اقتضت ألا ينتصروا ، ولو نصرهم الله لاستهانوا بعد ذلك بأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقال بعض منهم : خالفناه وانتصرنا ، وهكذا نجد أن طاعة الله والرسول والأخذ بالأسباب أمر مهم ، فحين جاء الأمر من رسول الله في غزوة أحد بما معناه : يا رماة لا تتركوا أماكنكم ، ولو رأيتمونا نفر إلى المدينة ، فلا شأن لكم بنا ، وعلى كل منكم أن يأخذ دوره ومهمته ، فإذا رأى أخاً له في دوره قد انهزم فليس له به شأن ، وعلى كل مقاتل أن ينفذ ما عليه . لكنهم خالفوا فسلبهم الله النصر . وهكذا يتأكد لهم أن النصر من عند الله العزيز الذي لا يُغْلَب . وقال البخاري عن البراء بن عازب قال : لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً من الرماة ، وأمَّر عليهم " عبد الله بن جبير " ، وقال عليه الصلاة والسلام : " لا تبرحوا وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا " . ونلحظ أن المدد بالملائكة ورد مرة بألف ، ومرة بثلاثة آلاف في قول الحق سبحانه { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَٰثَةِ آلَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } [ آل عمران : 124 ] . فإن لم يكفكم ثلاثة آلاف سيزيد الله العدد ، لذلك يقول المولى عز وجل : { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [ آل عمران : 125 ] . إذن المدد يتناسب مع حال المؤمنين ، ويبين ذلك قوله سبحانه : { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } . فالصبر إذن وحده لا يكفي بل لا بد أيضاً من تقوى الله ، ولا بد كذلك من المصابرة بمغالبة العدو في الصبر لذلك يقول المولى تبارك وتعالى في موقع آخر : { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ } [ آل عمران : 200 ] وذلك لأن العدو قد يملك هو أيضاً ميزة الصبر لهذا يزيد الله الصابر ، فإن صبر العدو على شيء فاصبر أنت أيها المؤمن أكثر منه . وقد جعل الله عز وجل الإمداد بالملائكة بشرى لطمأنة القلوب وثقة من أن النصر من عند الله تعالى : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 10 ] . وما أن بدأت المعركة حتى بدأ توالي النعم التي سوف تأني بالنصر ، إمداد بالملائكة ، بشرى لتطمئن القلوب ، وثقة من أن النصر من عند الله العزيز الحكيم . ثم يأتي التذكير بالدلالة على ذلك فيقول المولى سبحانه وتعالى : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ … } .