Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومادة " استغاث " تفيد طلب الغوث ، مثل " استسقى " أي طلب السقيا ، و " استفهم " أي طلب الفهم ، و " الألف " و " السين " و " التاء " توجد الطلب . و " استغاث " أي طلب الغوث من قوى عنه قادر على الإغاثة ، وأصلها من الغيث وهو المطر ، فحين تجدب الأرض لعدم نزول المطر ولا يجدون المياه يقال : طلبنا الغوث ، ولأن الماء هو أصل الحياة لذلك استعمل في كل ما فيه غوث ، وهو إبقاء الحياة ، وفي حالة الحرب قد يفنى فيها المقاتلون لذلك يطلبون الغوث من الله عز وجل { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } . و { تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } بضمير الجمع ، كأنهم كلهم جميعاً يستغيثون في وقت واحد ، وقد استغاث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطف القوم وقال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه واستقبل القبلة وقال : " اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم ائتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " . ويدل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه كان يستغيث بالخالق الذي وعد بالنصر ، ورد القوم خلفه : آمين ، لأن أي إنسان يؤمن على دعاء يقوله إمام أو قائد فهو بتأمينه هذا كأنما يدعو مثلما يقول الإمام أو القائد . فمن يقول : " آمين " يكون أحد الداعين بنفس الدعاء . والحق سبحانه وتعالى هو القائل : { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 88 ] . وهذا ما جاء في القرآن الكريم على لسان موسى عليه السلام . ثم يقول الحق تبارك وتعالى بعدها : { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [ يونس : 89 ] . مع العلم بأن سيدنا موسى عليه السلام هو الذي دعا ، وقوله سبحانه من بعد ذلك { أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } دليل على أن موسى دعا وهارون قال : " آمين " فصار هارون داعياً أيضاً مثل أخيه موسى . { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } [ الأنفال : 9 ] . { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } الألف والسين والتاء - كما علمنا - تأتي للطلب ، وقول الحق سبحانه وتعالى { فَٱسْتَجَابَ } يعني أنه طلب من جنود الحق في الأرض أن يكونوا مع محمد وأصحابه لأن الله سبحانه وتعالى ، خلق الكون ، وخلق فيه الأسباب . نراها ظاهرة ، ووراءها قوى خفية من الملائكة . والملائكة هم خلق الله الخفي الذي لا نراه ولا نبصره ، إلا أن الله أخبرنا أن له ملائكة . فالملائكة ليست من المخلوقات المشاهدة لنا ، وإنما إيماننا بالله ، وتصديقنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله تعالى جعلنا نعرف أنه سبحانه وتعالى قد خلق الملائكة ، وأخبرنا أيضاً أنه خلق الجن وصدقنا ذلك ، إذن فحجة إيماننا بوجود الملائكة والجن هو إخبار الرسول الصادق بالبلاغ عن الله تعالى ومن يقف عقله أمام هذه المسألة ويتساءل : كيف يوجد شيء ولا يُرَى ، نقول له : هذه أخبار من الله . وهناك من أنكر وجود الملائكة والجن وقال : إنها القوى الميكانيكية في الأسباب ، ولم يلتفتوا إلى أن الحق سبحانه وتعالى حين يتكلم عن أمر غيبي ، فسبحانه يترك في مشهديات وجوده وكونه ما يقرب هذا الأمر الغيبي إلى الذهن ، فيجعلك لا تعرف وجود أشياء تشعر بآثارها ، ثم بمرور الزمن تدرك وجودها ، وهذه الأشياء لم تُخلق حين اكتشفتها ، وإنما هي كانت موجودة لكنك لم تتعرف عليها ، وهناك فارق بين وجود الشيء وإدراك وجود الشيء . ومثال ذلك كان اكتشاف الميكروب في القرن السابع عشر وهو موجود من قبل أن يكتشف ، وكان يدخل في أجسام الناس ، وينفذ من الجلد ، وحين اكتشفوه ، دلّ ذلك على أنه كان موجوداً لكننا لم نكن نملك أدوات إدراكه . إذن فإن حُدثت بأن لله خلقاً موجوداً وإن لم تكن تدركه ، فخذ مما أدركته بعد أن لم تكن تدركه دليل تصديق لما لا تدركه . وأخبرنا الحق تبارك وتعالى بوجود الملائكة ، وكل شيء له ملائكة يدبرونه ، وهم : " المدبرات أمرا " ، والملائكة الحفظة ، وسبحانه القائل : { لَهُ مُعَقِّبَٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] . وسبحانه أيضاً القائل : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] . وهؤلاء الملائكة هم الموكلون بمصالح الإنسان في الأرض ، المطر مثلاً له ملكه ، الزرع مثلاً له ملكه ، وكل شيء له ملك . وهو سبب خفي غير منظور يحرك الشيء . { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ } . والإمداد هو الزيادة التي تجيء للجيش ، لأن الجيش إذا ووجه بمعارك لا يستطيع أن يقوم بها العدد الموجود من الرجال أو السلاح ، حينئذ يطلب قائد الجيش إرسال المدد من الرجال والعتاد . { أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } . ونعلم أنه ساعة أن أمر ربنا الملائكة أن تسجد لآدم ، لم يكن الأمر لكل جنس الملائكة ، بل صدر الأمر إلى الملائكة الموكلين بمصالح الأرض . أما الملائكة غير الموكلين بهذا ، فلم يدخلوا في هذه المسألة ، ولذلك قلنا إن الحق سبحانه وتعالى حينما عنف إبليس ، قال له : { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } [ ص : 75 ] . والمقصود بـ " العالين " هم الملائكة الذين لم يشملهم أمر السجود . والحق تبارك وتعالى هنا في هذه الآية يبين أنه سبحانه وتعالى قد أمد المسلمين المحاربين في غزوة بدر بـ : { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } والردْفُ هو ما يتبعك ، ولذلك يقال : " فلان ركب مطيته وأرْدَفَ فلاناً " ، أي جعله وراءه . والمُردف هو من يكون في الأمام ، والمردَف هو من يكون خلفه . والآية توضح لنا أن الملائكَة كانت أمام المسلمين لأن جيش المسلمين كان قليل العدد ، وجيش الكفار كان كثير العدد ، وجاءت الملائكة لتكثير عدد جيش المسلمين ، فإذا كان العدد مكوناً من ألف مقاتل ، فقد أرسل الحق ملائكة بنفس العدد ويزيد بذلك جيش المؤمنين بعدد المؤمنين . وكان يكفي أن يرسل الحق ملكاً واحداً ، كما تحكي الروايات عما حدث لقوم لوط ، فقد رُوِي أن جبريل - عليه السلام - أدخل جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط ، وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمار ، ونباح الكلاب ، وصياح الديوك ، ولم تنكفىء لهم جرّة ، ولم ينسكب لهم إناء ، ثم قلبها دفعة واحدة وضربها على الأرض . وصيحة واحدة زلزلت قوم ثمود . لماذا إذن أرسل الحق تبارك وتعالى هنا ألفاً من الملائكة ؟ . حدث ذلك لتكثير العدد أمام العدو وليفيد في أمرين اثنين : الأمر الأول : أن تأخذ العدو رهبة ، والأمر الثاني : أن يأخذ المؤمنون قوة لكن أكان للملائكة في هذه المسألة عمل ؟ أو لا عمل لهم ؟ هنا حدث خلاف . ونجد الحق تبارك وتعالى يقول : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ … } .