Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 14-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وذلكم إشارة للأمر الذي حدث في موقعة بدر من ضرب المؤمنين للكافرين فوق الأعناق ، وضرب كل بنان كافر ، وإن ربنا شديد العقاب ، وهذا الأمر كان يجب أن يذوقه الكافرون . والذوق هو الإحساس بالمطعوم شراباً كان أو طعاماً ، إلا أنه تعدى كل محسّ به ولو لم يكن مطعوماً أو مشروباً ويقول ربنا عز وجل : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] . أي ذق الإهانة والمذلة لا مما يُطعم أو مما يُشرب ، ولكن بالإحساس لأن ذوق الطعام هو الحاسة الظاهرة في الإنسان قد يجده بالذوق حريفاً ، أو حلواً ، أو خشناً أو ناعماً إلى غير ذلك . وها هو ذا الحق يضرب لنا المثل على تعميم شيء : فيقول عز وجل : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] . والجوع سلب الطعام ، فكيف تكون إذاقة الجوع ؟ الجوع ليس مما يذاق ، ولا اللباس مما يذاق ، ومن قول الحق تبارك وتعالى نفهم أن الإذاقة هي الإحساس الشديد بالمطعوم ، واللباس - كما نعلم - يعم البدن ، فكأن الإذاقة تتعدى إلى كل البدن ، فالأنامل تذوق ، والرجل تذوق ، والصدر يذوق ، والرقبة تذوق وكأن الجوع قد صار محيطاً بالإنسان كله . وهنا يقول المولى سبحانه وتعالى : { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ } . والذوق غير البلع والشبع ، ونرى ذلك في عالمنا السِّلعي والتجاري فساعة تشتري - على سبيل المثال - جوافة ، أو بلحاً أو تيناً ، يقول لك البائع : إنها فاكهة حلوة ، ذق منها ، ولا يقول لك كل منها واشبع ، إنه يطلب منك أن تجرب طعم الفاكهة فقط ثم تشتري لتأكل بعد ذلك حسب رغبتك وطاقتك . وما نراه في الدنيا هو مجرد ذوق ينطبق عليه المثل الريفي " على لساني ولا تنساني " ، والعذاب الذي رآه الكفار على أيدي المؤمنين مجرد ذوق هيّن جداً بالنسبة لما سوف يرونه في الآخرة من العقاب الشديد والعذاب الأليم ، وسيأتي الشبع من العذاب في الآخرة ، لماذا ؟ { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 13 ] . وهذا اللون من إذاقة الذل والإهانة في الدنيا لهؤلاء الكفار المعاندين ، مجرد نموذج بسيط لشدة عقاب الله على الكفر ، وفي يوم القيامة يطبق عليهم القانون الواضح في قوله سبحانه وتعالى : { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } . إذن فالهزيمة لمعسكر الكفر والذلة هي مجرد نموذج ذوق هين لما سوف يحدث لهم يوم القيامة من العذاب الأليم والحق سبحانه وتعالى هو القائل : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ … } [ الطور : 47 ] . وعذاب الآخرة سيكون مهولاً ، و " العذاب " هو إيلام الحس ، إذا أحببت أن تديم ألمه ، فأبق فيه آلة الإحساس بالألم ، ولذلك تجد الحق سبحانه وتعالى حينما يتكلم عن سليمان والهدهد يقول : { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ النمل : 20 - 21 ] . كأن الذبح ينهي العذاب ، بدليل أنّ مقابل العذاب في هذا الموقف هو الذبح . وماذا عن عذاب النار ؟ . إن النار المعروفة في حياتنا تحرق أي شيء تدخله فيها ، لكنّ نار الآخرة تختلف اختلافاً كبيراً لأن الحق هو القائل : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ النساء : 56 ] . ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ … } .