Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 25-25)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ويأمرنا الحق عز وجل أن نتقي الفتن من بدئها قبل أن يستفحل شأنها . وأن يتجنب الإنسان المعصية ، وأن يضرب المجتمع على يد أي انحراف ، فمن يسرق الآن الخزائن قد بدأ أولاً بسرقة اليسير ، سرق من أخيه أو من البيت ثم من الجيران ثم من البنك . ولو أن كل انحراف عوجل بالضرب على يد من فعله وهو صغير لما كبر المنحرف والانحراف . ولتم وأد الجرائم الكبيرة في مهدها لأن من ارتكب الصغيرة قد عوقب . وإياكم أن يقول أحدكم ما دام مثل هذا الانحراف لا يمسني فليس لي به شأن لأن الذي اجترأ على مثلك ، من السهل أن يجترىء عليك . ونحن نعرف جميعاً قصة الثيران الثلاثة الأحمر والأبيض والأسود ، فقد هاجم الأسد الثور الأبيض فأكله ، ولم يدافع عنه الثور الأحمر أو الأسود . وهاجم الأسد الثور الأحمر بعد ذلك فقال الثور الأسود لنفسه : ما دام الأسد لم يأكلني فلا دخل لي بهذا الأمر . وجاء الأسد إلى الثور الأسود ، بينما هو يقترب منه قال : لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض . إذن فقول الحق تبارك وتعالى : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً … } [ الأنفال : 25 ] . هذا القول يدلنا على أن اتقاء الفتنة يبدأ من الضرب على أيدي صانع الفتنة وهي في بدايتها . وأضرب هذا المثل ليبقى في الذاكرة دائماً إن الأم التي قسمت الأكل بما فيه من لحم وخضر وفاكهة على الأبناء ، فأكل أحد الأبناء نصيبه ، ثم احتفظت الأم ببقية أنصبة إخوته في الثلاجة ، ومن بعد ذلك لاحظت الأم أن الابن الذي أكل نصيبه يأكل نصيب أحد إخوته من خلف ظهرها ودون استئذانها ، وهنا يجب أن تؤنبه وتعاقبه على مثل هذا الفعل حتى لا يتمادى في ذلك . كذلك إن دخل الابن بلعبة أو بشيء يفوق ثمنه قدرة مصروف يده على الشراء ، فعلى الأب أن يضرب على يد الابن حتى لا يتمادى الولد في إفساد نفسه . ولذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى جعل الدية في القتل الخطأ على العاقلة وهم العصبة أي قرابة القاتل من جهة أبيه ، ويطلق عليهم العائلة - أي عائلة القاتل - لأن أفراد العائلة حين يرون أن كلاً منهم سوف يصيبه جزء من الغرم ، فإنه يضرب على يد من يتمادى في إرهاب الغير وتهديدهم إن كان من عائلته . ولذلك ترى أن الناس إذا رأوا الظالم ثم لم يضربوا على يده فإن الله يعمهم بغضب من عنده لأن الظالم يتمادى في ظلمه وطغيانه ويعربد في الآخرين . فيستشري الظلم في المجتمع ويحق على الجميع عقاب الله . ولذلك نجد سيدنا أبا بكر رضوان الله عليه - يقول ، يبين لنا ذلك فيما رواه عنه الإمام أحمد . فقد روى الإمام أحمد قال : قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس أنتم تقرأون هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } وإنكم تضعونها على غير موضعها . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه ، يوشك الله - عز وجل - أن يعمهم بعقابه " . ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريق الفاصل في القضايا العقدية والحكمية ويأتي بمثال واضح يتفق عليه الكل ، فيقول صلى الله عليه وسلم : فيما يرويه عنه النعمان بن بشير : " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها . فكان الذين في أسفلها إذا استقوْا من الماء مرُّوا على مَنْ فوقهم ، فقالوا لو أنّا خرقنا خرقاً في نصيبنا ولم نؤذ مَنْ فَوْقنا . فإن يَتْركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوْا ونَجَوْا جميعاً " . والرسول صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل بقوم ركبوا سفينة ، وأجروا فيما بينهم القرعة لينقسموا إلى جماعتين جماعة تجلس في النصف الأعلى من السفينة أي على سطحها ، وجماعة تسكن في بطن السفينة ، حسب ما تأتي به قسمة القرعة وهي ما تسمى بالاستهام . وهذا يدلنا على أنهم أناس طيبون ، ولا توجد فيهم جماعة قوية تفرض شيئاً على جماعة ضعيفة . وكان الذين يسكنون أسفل السفينة حين يريدون الماء يصعدون إلى أعلى لينزلوا الأواني من فوق سطح السفينة إلى النهر . ولو تُرك الذين في أسفل السفينة لتنفيذ رغبتهم في خرق السفينة ليأخذوا الماء من النهر لغرقت السفينة ، لكن إن ضرب الذين يعيشون فوق السفينة على يد من يريدون خرقها لنجوا جميعاً . وهكذا يكون فهمنا لقول الحق تبارك وتعالى : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 25 ] . ولسائل أن يسأل ويقول : إن العقاب يقع هنا على الظالم والمظلوم ، والظالم هو الذي يستحق العقاب على ما وقع منه من ظلم ، ولكن ما ذنب المظلوم ؟ والجواب : أن المظلوم قد كان في مكنته أن يرد الظلم لكنه سكت عن ذلك فاستحق أن يشمله العقاب . وإن لم تنتبه المجتمعات إلى مقاومة الفتن ، أنزل الله بها العقاب ، وعقاب الحق تبارك وتعالى أشد من عقاب الخلق . ويقول الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ … } .