Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وإذا بحثنا عن علاقة هذه الآية بالآية السابقة عليها نجد أن العلاقة واضحة لأن خيانة الله ، وخيانة الرسول ، وخيانة الأمانات إنما يكون لتحقيق شهوة أو نفع في النفس ، وعليك أن تقدر أنت على نفسك لأنك قد لا تقدر على غيرك ، ومثال ذلك : أنت قد لا تقدر على مطالب أولادك ، وقد لا يكفي دخلك لمطالبهم ، فهل يعني ذلك أن تأخذ من أمانة استودعها واحد عندك ؟ لا . هل يعني ذلك أن تخون في البيع والشراء لتحقيق مصلحة ما ؟ لا . هل تخون أمانات الناس من أجل مصالح أولادك أو لتصير غنيّاً ؟ . لا . وقد جاد الحق هنا بالأمرين ، المال والأولاد وأخبرنا أنهما فتنة ، والفتنة - كما علمنا من قبل - لا تذم ولا تمدح إلا بنتيجتها فقد تكون ممدوحة إذا نجحت في الاختبار ، وتكون مذمومة حين ترسب في ذلك الاختبار المُبَيَّن في تلك الآية الكريمة . والمتتبعون لأسرار الأداء القرآني يعرفون أن لكل حرف حكمة ، وكل كلمة بحكمة ، وكل جملة بحكمة لذلك نجد من يتساءل : لماذا قدم الحق تبارك وتعالى الأموال على الأولاد ؟ . ونقول : لأن كل واحد له مال ولو لم يكن له إلا ملبسه . وبطبيعة الحال ليس لكل واحد أولاد . ثم إن الأبناء ينشأون من الزواج ، ومجيء الزوج ، يحتاج إلى المال لذلك كان من المنطق أن يأتي الحق بالأموال أولاً ثم يأتي بذكر الأولاد . وأساليب القرآن الكريم تتناول هذا الموضوع بألوان مختلفة فيقول الحق سبحانه وتعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } [ آل عمران : 14 ] . وفي هذا القول نجد أن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة تأخرت هنا عن النساء والبنين . ولم يأت بذكر الأموال أولاً ثم الأولاد كفتنة . وعلينا أن ننتبه أنه سبحانه وتعالى جاء هنا بالقناطير المقنطرة ، وهي تأتي بعد تحقيق الشهوة الأولى وهي النساء ، والزينة الثانية وهي الأبناء ، ونعلم أن من عنده مال يكفيه للزواج والإنجاب قد يطمع في المزيد من المال ، فإن كانت الوحدة من القناطير المقنطرة هي القنطار ، فمعنى ذلك أن الإنسان الذي يملك قنطاراً إنما يطمع في الزيادة مثلما يطمع من يملك ألف جنيه في أن يزيد ما يمتلكه ويصل إلى مليون جنيه ، وهكذا . إذن فالقناطير المقنطرة تعني الرغبة في المبالغة في الغنى . وهنا يقول الحق تبارك وتعالى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ … } [ الأنفال : 28 ] . ويقول في آية ثانية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ … } [ التغابن : 14 ] . وفي هذا القول نجد أن العداوة تأتي من الأزواج قبل الأولاد ، ونعلم أن الزوجة في بعض الأحيان هي التي تكره أولاً ثم يتأثر بكراهيتها ويتشبه بها الأبناء ، وهذا كلام منطقي لأن الذي يتكلم هو رب حكيم . { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } . وفي هذا القول تحذير واضح : إياكم أن ترسبوا في هذا الاختبار فمن يجمع المال من حرام لترف أبنائه فهو خائن للأمانة ، وهذا له عقاب ، ولذلك يذكرنا الحق تبارك وتعالى في آخر هذه الآية بما يحبب إلينا النجاح في الاختبار فيقول سبحانه : { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } . ونعلم أن النفس البشرية مولعة بحكم تكوينها الفطري من الله بحب النفع لنفسها ، ولكن المختلف فيه قيمة هذا النفع وعمر هذا النفع لأن الذي يسرق إنما يريد أن ينفع نفسه بجهد غيره ، ومن لا يسرق يريد أيضاً أن ينفع نفسه ليبارك الله له في المال وأن يعطيه الرزق الحلال . وهكذا تكون النفعية وراء كل عمل سواء أكان إيجاباً أم سلباً ، والمثال الذي أضربه دائماً لذلك هو الطالب الذي يهمل في دروسه ، ويوقظه أهله كل صباح بصعوبة ، ثم يخرج من المنزل ليتسكع في الشوارع ، والطالب الثاني الذي استيقظ صباحاً وذهب إلى مدرسته وانكب على دروسه ، إنَّ كلاً من الطالبين قد أراد نفع نفسه ، الفاشل أراد النفع الأحمق ، والناجح أراد النفع في المستقبل . ونعرف أن النفع غاية مطلوبة لكل نفس . والمهم هو قيمة النفع ، وعمر النفع . فإذا كانت الخيانة ستؤدي لك نفعاً في أولادك أو أموالك فاذكر ما يقابل الأمانة من الأجر عند الله عز وجل ، وضع هذه في كفة ، وضع تلك في الكفة الأخرى ، وانظر أي كفة ترجح ، ولا بد أن ترجح كفة الأجر عند الله عز وجل . ولذلك قال المتنبي : @ أرى كلنا يبغي الحياةَ لنفسه حريصاً عليها مستهاماً بها صبًا فحُبُّ الجبانِ النفسَ أوْرَده التقى وحُبُّ الشجاعِ النفسَ أوْرَده الحَرْبَا @@ فكلنا نحب الحياة الجبان الخائف من الحرب يحب الحياة ، والشجاع الذي يحب نفسه ويعلم قيمتها عند خالقها يخوض الحرب رغبة في حياة الاستشهاد ، وهي حياة عند الله إلى أن تقوم الساعة ، ثم تتلوها حياة الجنة حيث يخلد فيها أبداً . إذن فالمعيار الذي نقيس به النفس هو محل الاختلاف . وفي عرف البشر نجد أن الأجر يساوي قيمة العمل ، لكن الأجر عند الله لا يساوي العمل فقط ، بل هو عظيم بطلاقة قدرة الحق سبحانه وتعالى : ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ … } .