Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 31-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقول الحق : " آياتنا " يعني آيات القرآن لأننا عرفنا من قبل أن الآيات إما أن تكون الآيات الكونية التي تلفت إلى وجود المكوِّن الأعلى مثل الليل والنهار والشمس والقمر ، وإمّا أن تكون الآيات بمعنى المعجزات : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا … } [ الأعراف : 203 ] . وهذه الآيات المعجزة علامة على أنه صادق . أو الآيات التي هي قسط من القرآن وهو المنهج . وهنا يقول الحق تبارك وتعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا … } [ الأنفال : 31 ] . ونفهم من التلاوة أن المقصود هو آيات القرآن الكريم . فماذا قالوا ؟ { قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا … } [ الأنفال : 31 ] . وقولهم : " لو نشاء " هذا يدل على أنهم لم يقولوا لأن " لو " حرف امتناع لامتناع ، مثلما تقول : لو جئتني لأكرمتك ، فامتنع الإكرام مني لامتناع المجيء منك ، فهذا يعني امتناع لامتناع ، ومثلما يقول قائل : لو عندي مال لاشتريت قصراً ، ولأنه لا يملك مالاً ، فهو لم يشتر القصر - إذن هم لم يشاءوا ولم يقولوا لذلك كان كلامهم مجرد " تهويش " وتهديد لا محل له . فلم يحصل منهم هذا ولا ذاك . إذن ثبت الإعجاز . لقد ثبت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منهم أولاً أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، وحين قالوا : إن القرآن كثير ولا يقدرون أن يأتوا بمثله ، تحداهم بأن يأتوا بعشر سور ، وحين فشلوا ، تحداهم بأن يأتوا بسورة ، فلم يأتوا ، وكان هذا تدريجاً في الإعجاز . لقد تحداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى التحدي حفز المُتَحدّى أن يُجند كل ما يقوى عليه ليرد التحدي . فإن لم تتجمع لهم المواهب التي تكفل قبول التحدي انسحبوا لكن واحداً منهم " النضر بن الحارث " ذهب لفارس ، ورأى كتاباً هناك يضم أساطير وحكايات ، وجاء ليقول وسط قريش : هأنذا أقول مثل محمد . لكن كلامه لم يكن له هدف ولا يحمل منهجاً ولا توجد لكل كلمة فيه قدرة جذب لمعنى ، ولم يوجد في قوله أي معنى جاذب للكلمة ، لذلك انصرف عنه القوم . { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأنفال : 31 ] . وهذا قولهم ، وسبق أن اعترفوا بأنه قرآن ، وسبق لهم أن قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 90 - 93 ] . وحين نقرأ هذه الآيات الكريمة ونقوم بتعداد ما طلبوا منه ، نجد أنهم طلبوا تفجير الأرض بينبوع ماء ، وطلبوا أن تكون له جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً ، وطلبوا أن تسقط السماء كما زعم عليهم كسفاً ، وطلبوا أن يأتي بالله والملائكة قبيلاً ، وطلبوا أن يكون له بيت من زخرف ، وطلبوا أن يرقى في السماء ، وكل هذا كلام طويل أثبته القرآن الكريم ، فهل ما قالوه يعد قرآناً ؟ لا ، ولنلتفت إلى دقة أداء القرآن ، فلم يقل كل هذه الطلبات إنسان واحد ، بل قال كل منهم طلباً ، وبأسلوب مختلف ، ولكن بلاغة القرآن الكريم جمعت كل الأساليب فأدتها بتوضيح دقيق وبإعجاز بالغ ، ولذلك لنا أن نلتفت أننا ساعة نسمع نقلاً لكلام الغير من القرآن ، فعلينا ألا نأخذه على أن هذا الكلام الذي قيل هو معانٍ قيلت ، وجاء القرآن الكريم بها بأسلوب الله . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - إذا جئت لابنك وقلت له : يا بني اذهب إلى عمك فلان وقل له : إن أبي يدعوك غداً مساءً لتناول العشاء معه لأن عنده ضيوفاً ويحرص على أن تشاهدهم ويشاهدوك وتقوي من مكانته . وحين ذهب الولد لعمه ، هل قال له نفس الكلام ؟ طبعاً لا لأن الأب قد يكون متعلماً ، ولا يستطيع الابن أن يقول ذات الكلمات . أو قد يكون الأب أميّاً ، والابن مثقفاً ناضجاً فينقل الابن رسالة أكثر بلاغة . إذن فأنت إذا سمعت أو قرأت كلاماً من غير الله على لسان أحد ، فاعلم أن هذا أداء الله لمطلوبات المتكلم . { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأنفال : 31 ] . والأساطير جمع أسطورة ، أي الحوادث والأحاديث الخرافية مثل ألف ليلة وليلة ، وكليلة ودمنة ، والإلياذة وغيرها من كتب الأساطير . ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ … } .