Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 37-37)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذه الآية الكريمة تكشف لنا أن المعارك التي تنشأ بين الإسلام وأتباعه من جهة ، وبين خصوم الإسلام وأتباعهم من جهة أخرى : هذه المعارك إنما هي أمر مراد من الله تعالى : لأن الزلزلة التي تحدث ، حتى لمن آمن ، إنما هي تصفية لعنصر الإيمان ، ومثال ذلك ما حدث في الإسراء ، حيث وجدنا من كان إيمانه ضعيفاً يتساءل : أمعقول أن يذهب محمد إلى بيت المقدس في ليلة ؟ ! بينما نجد ثابت الإيمان مثل الصديق أبي بكر يقول : إن كان قد قال فقد صدق . إن الثابت والقوي إيمانه يصدق ، أما من لم يثبت إيمانه فهو يكذب . وهكذا كانت أحداث الإسلام ، فقد جاءت كلها لتميز الخبيث من الطيب ، وتجمع الخبث بعضه إلى بعض ليصير ركاماً ثم يضعهم الله في النار . لقد جاءت أحداث الإسلام للتمحيص ، مثلما تضع الحديد في النار لتستخرج منه الخبث ويصير صافياً ، وهكذا جاء الإسلام لتصفو به قلوب المؤمنين ، ويقوي إيمانهم لأنهم يحملون رسالة الله تعالى إلى الأرض كلها ، بعد أن مروا بالتصفيات الكثيرة . ومثل هذه التصفيات تحدث في المجال الرياضي ، فحملة الأثقال - على سبيل المثال - يدخلون في مباريات أولية ، ومن يستطيع حمل الوزن الأثقل هو الذي يكون مؤهلاً لأن يدخل المباريات الدولية ، ليبقى الأقوى . { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأنفال : 37 ] . والحق سبحانه وتعالى أعطانا أمثالاً لأحداث تميز الخبيث من الطيب ، فالناس في الأحوال العادية الرتيبة لا تظهر معادن نفوسهم لأن الناس إذا كانوا آمنين لا يواجهون خطراً ، ادعوا الشجاعة والكرم والشهامة ، وادَّعوا الإيمان القوي المستعد لأي تضحية في سبيل الله ، فإذا جاءت الأحداث فهي الاختبار الحقيقي لما في القلوب . فقد يقول إنسان لصديقه : أنا ومالي لك . وإذا ما أصابت هذا الصديق كارثة ، يتهرب منه . فما الذي يحدد - إذن - صدق الحديث عن النفس ؟ إنها الأحداث . وهكذا أراد الله تعالى أن يميز الخبيث من الطيب فعركت المؤمنين الحوادث ، وزال الطلاء عن ذوي العقيدة الهشة ليكون الناس شهداء على أنفسهم ، ويبقى المؤمنون أصحاب صفاء القلب والعقيدة . وحين يميز الله الخبيث من الطيب ، فهو سبحانه وتعالى : يريد تمييز الطيب حتى لا يختلط بالخبيث . والخبيث إنما يكون على ألوان مختلفة وأنواع متعددة ، فهذا خبيث في ناحية ، وذلك خبيث في ناحية أخرى ، وثالث خبيث في ناحية ثالثة ، وغيرهم في ناحية رابعة ، وخامسة إلى ما شاء الله ، ويجمع الله كل الخبث فيركمه في النار جميعاً . ثم يقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ … } .