Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وساعة تسمع كلمة " فئة " فاعلم أن معناها جماعة اختصت بخوض المعارك في ميدان القتال ، فليست مطلق جماعة ، بل هي جماعة مترابطة من المقاتلين لأن كل مقاتل يفيء لغيره من زملائه ، أي جماعة أخرى غير مترابطة تستطيع تفريقهم بصرخة أو عصا ، أما المقاتلون فأنت لا تصرفهم إلا بقوة أكبر منهم ، ويحاول كل منهم أن يحمي زميله ، إذن فكل منهم يفيء إلى الآخرين . والحق تبارك يقول : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ البقرة : 249 ] . ويقول الحق سبحانه وتعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ … } [ آل عمران : 13 ] . إذن فالفئة هي جماعة في الحرب . وقوله تعالى : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ … } [ الأنفال : 45 ] . يُقصد به ساعة حدوث المعركة ونشوب القتال لأن الحرب تقتضي أولاً إعداداً ، ثم تخطيطاً يتم قبل الإلتحام ثم ذهاباً إلى مكان المعركة . وقوله تعالى : { إِذَا لَقِيتُمْ } أي أن المسألة قد وصلت إلى المواجهة مع الكفار . ويقول الحق تبارك وتعالى : { فَٱثْبُتُواْ } والثبات هنا معناه المواجهة الشجاعة ، لأن الإنسان إذا ما كان ثابتاً في القتال ، فالعدو يخشاه ويهابه ، وإن لم يكن كذلك فسوف يضطر إلى النكوص ، وهذا ما يُجرىء الكفار عليكم . وما دمتم قد جئتم إلى القتال ، فلا بد أن يشهد الأعداء شجاعتكم لأنكم إن فررتم فهذه شهادة ضعف ضدكم . ولذلك لا بد من التدريب على الثبات والقتال ، وهذا هو الإعداد المسبق للحرب بالتدريب القوي والتخطيط الدقيق ، وألاَّ يتولى أحد منكم ويفر لحظة الزحف لأن هذا العمل هو من أكبر الكبائر ، والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ … } [ الأنفال : 16 ] . { يُوَلِّهِمْ } أي يعطيهم ، و { دُبُرَهُ } أي ظهره ، وهذا تقبيح لعملية الفرار ، لأن الدبر محل الصيانة ومحل المحافظة . ونعلم أن هناك من قال للإمام عليّ - كرم الله وجهه - : إنَّ درعك له صدار وليس له ظهر ، أي أن الدرع يحمي صدرك إنما وراءك لا يوجد جزء من الدرع ليحمي ظهرك . فقال : لا كنت إن مكنت خَصمي من ظهري ، أي أنه - كرّم الله وجهه - يفضل الاستشهاد على أن يُمَكِّن خصمه من ظهره ، فلو أنَّ درعه من الأمام ومن الخلف ، ففي هذه الحالة يكون في نيته أن يمَكِّن خصمه من ظهره ، ولذلك جعل الدرع يحمي الصدر فقط ، وهو على يقين أنه لن يدير ظهره لعدوه ، ويسمون تلك الحالة الأخرى " ظاهرة ضبط النفس " أي أنها طريق لمنع الشيء أن يحدث ولو في ساعة الشدة لأن المقاتل حين يدخل المعركة ، وهو يحمي صدره فقط فهو لا يتولى ليفر لأنه يعلم أنه لو تولى فسيكشف لهم ظهره وسيتمكن منه عدوه وسوف يُقتل . والحق سبحانه وتعالى حين يقول : { فَٱثْبُتُواْ } لا يطلب هذا الثبات على إطلاقه ، ولكن يريد من المؤمنين الثبات والقوة في القتال . أما إذا كانت الفئة التي يواجهها المؤمنون كبيرة العدد أو كثيرة العتاد فذلك يتطلب الدراسة والاستعداد ، وهنا طلب الحق الثبات ليعلم المؤمنون يقيناً أنهم لا يواجهون عدوهم بقوتهم ولكن بقوة الله الذي يجاهدون من أجله . ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } ، أي تذكروا وأنتم تقاتلون أن الله معكم بعونه ونصره ، فإن لم تستطع أسبابكم أن تأتي بالنصر ، فإن خالق الأسباب يستطيع بقدرته أن يأتي بتالنصر . وكلنا نعلم أن الحق تبارك وتعالى قد وضع في كونه الأسباب ، فإذا استنفدنا أسبابنا ، اتجهنا إلى خالق الأسباب ، ولذلك نجد أن من لا يؤمن بالله إذا خانته الأسباب ينتحر أو ينهار تماماً أو يصاب بالجنون ، ولكن المؤمن يقول : إذا خانتني الأسباب فمعي رب الأسباب وخالقها ، ويأوي إلى ركن شديد . إن الطفل الصغير إذا اعتدى عليه أحد يقول : إن لي أباً أو أخاً سيرد عني الإيذاء لأن الأسباب لا تعطيه قدرة الرد ، فكيف لمن له رب قدرته فوق قدرة الكون كله ، وقوته موجودة دائماً . ولذلك نجد قوم موسى حين وصلوا إلى شاطىء البحر ووجدوا أمامهم الماء ، ونظروا خلفهم ورأوا جنود فرعون مقبلين من بعيد ، قالوا : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } . وكانوا منطقيين فيما قالوه ، فالبحر أمامهم والعدو وراءهم . وليس لهم من طريق للنجاة باستخدام الأسباب العادية في هذا الكون ، ولكن موسى عليه السلام بقوة إيمانه بالله تعالى يقول ما جاء على لسانه في القرآن الكريم : { قَالَ كَلاَّ } [ الشعراء : 62 ] . أي إن فرعون وجنوده لن يدركونا ، ولم يفهم قوم موسى لأن البحر أمامهم وجنود فرعون وراءهم ، وأضاف سيدنا موسى عليه السلام بملء فيه قوله : { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] . أي أنه رفع الأمر من الأسباب إلى المسبب ، وإذا بالله يأمره أن يضرب بعصاه البحر فينفلق وتظهر الأرض اليابسة . ويعبر بنو إسرائيل البحر ، وعندما وصل موسى وقومه إلى شاطيء البحر بعد أن عبروا ، أراد موسى أن يضرب البحر مرة أخرى حتى يعود الماء إلى الاستطراق . فلا يتمكن جنود فرعون من اللحاق بهم ، ولكن الله سبحانه وتعالى قال لموسى : { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [ الدخان : 24 ] . أي لا تتعجل وتضرب البحر ليعود مرة أخرى لاستطراق الماء بل اتركه على حاله ساكناً فما أنجى الله به بني إسرائيل سيغرق به آل فرعون ، وبذلك أنجي وأهلك بالشيء الواحد ، وهذا لا يقدر عليه إلا هو سبحانه وتعالى . وهنا يقول الحق تبارك وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } [ الأنفال : 45 ] . وسبحانه وتعالى هو خالق النفس البشرية وهو العليم بها حين تكون أمام قوة لم تحسب حسابها وكيف تعاني النفس من كرب عظيم ، خصوصاً إذا كان ذلك في ميدان القتال ، ولذلك طلب من المؤمنين لأن يتذكروا دائماً أنهم ليسوا وحدهم في المعركة وأنه سبحانه وتعالى معهم ، فليذكروا هذا كثيراً ليوالي نصرهم على عدوهم لأنهم إذا ما داوموا على ذكر الله تعالى فسيقوي هذا الذكر إيمانهم ، ويجعل في قلوبهم الشجاعة اللازمة لتحقيق النصر . وذِكْرُ الحق كلمة { كَثِيراً } هنا يعني أن الإنسان قد يذكر الله عند اليأس فقط ، فإن جاءت الحياة بعد ذلك بالرخاء فقد ينسى ذكر الله لذلك يؤكد سبحانه وتعالى هنا أن يكون ذكر الله كثيراً ، ليوالي الله نصر المؤمن على عدوه . ومثال ذلك : أننا نجده سبحانه وتعالى حينما يستحضر الخلق المؤمنين للصلاة في يوم الجمعة يقول : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة : 9 - 10 ] . يطلب الحق سبحانه وتعالى ذلك من المؤمنين وهو العليم بأنهم يداومون الولاء له سبحانه كل يوم خمس مرات . ثم بعد صلاة الجمعة يطالبهم بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله تعالى ، وينبهنا أن نداوم على ذكره فكأنه يقول إياكم أن تلهيكم أعمالكم ومصالحكم الدنيوية عن ذكر الله ، أو تعتقدوا أن ذكر الله في المسجد أو وقت الصلاة فقط ، بل داوموا على ذكر الله في كل أحداث الحياة . فإن فعلتم ذلك وذكرتم الله كثيراً فستكونون من المفلحين . وذكر الله كثيراً معناه أنك تشعر في كل لحظة أن الله سبحانه وتعالى معك فتخشاه وتحمده وتستعين به . وهكذا تكون الصلة دائمة بينك وبين الله عز وجل في كل وقت . مثال ذلك ما حدث في عام 1973 في معركة العاشر من رمضان ، كان ذكر الله يملأ القلوب واستمد الجند من قولهم : { ٱللَّهِ أَكْبَرُ } طاقة هائلة واجهوا بها العدو ، واقتحموا خط " بارليف " . وأعانهم الحق بمدد الإيمان من عنده ، وأوجد في نفس كل منهم طاقة هائلة تحقق بها النصر وذلك بإجادة التدريب ومداومة الذكر لله تعالى . ثم يقول الحق بعد ذلك : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ … } .