Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 48-48)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه الكفار وهم قليل وذلك من صنع الله تعالى لتتم المعركة ، وبدأ الشيطان يزين للكفار أعمالهم ويمتدحها ، ويغويهم : أنتم كثيرون ولا أحد مثلكم في فنون القتال وستحصلون على النصر في لمح البصر . لكن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يثبت المؤمنين ويقويهم ، ولذلك شاء الله سبحانه أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار وهم قليل . والواقع أنهم قليل لأن النصر ليس هنا بالعدد ولكن بتأييد الله تعالى ، ومهما كثر الكفار فهم أمام تأييد الله قليل . ويحاول الشيطان أن يزين للكفار قتال المؤمنين ، أي يجعله محبباً إلى نفوسهم وأنهم سيحققون النصر ، ويصبحون حديث الجزيرة العربية كلها ، وتخافهم الناس وتهابهم ويصبحون هم الكبراء وأصحاب الكلمة . وهكذا صور الشيطان لهم عملية قتال المسلمين في صور محببة إلى قلوبهم . وهنا نرى بوضوح غباء الشيطان وعجزه عن أن يعلم قضاء الله ، فلو علم ما ستنتهي إليه معركة بدر ما زين للكفار دخول المعركة لأن المعركة انتهت بنصر المسلمين وقتل صناديد قريش ، وعلت صورة المؤمنين في الجزيرة العربية كلها . ولم يكن النصر هو ما يريده الشيطان ، ولكنه لجهله زين للكافرين المعركة . وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ … } [ الأنفال : 48 ] . أي أن وسوسة الشيطان للكفار كانت في صورة تضخيم قوتهم وأن أحداً لن يغلبهم في قتالهم ببدر ، وأنه - أي الشيطان - سيناصرهم في المعركة ويجيرهم إن حدث لهم سوء ، ولكن هل للشيطان سلطان على أن يُعين الكفار ؟ نحن نعلم أن الشيطان ليس له سلطان إلا التزيين فقط ، فكيف يكون له سلطان على نتيجة المواجهة بين الحق والباطل ؟ . إن الشيطان يأتي في الآخرة فيطلب منه الكفار أن يجيرهم من عذاب الله تعالى لأنه هو الذي أغواهم وزين لهم سوء أعمالهم وجرهم إلى طريق النار ، فيتبرأ منهم ويقول لهم : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ … } [ إبراهيم : 22 ] . أي أنه يقول للكافرين : أنا لم أجبركم على المعاصي ، فلم يكن لي عليكم سلطان القهر لأقهركم على أن تفعلوا شيئاً ولا سلطان الحجة لأقنعكم بأن تفعلوا المعاصي ، ولكن بمجرد أن دعوتكم استجبتم لي لأنكم تريدون المعصية واتباع شهواتكم . وقوله : { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } وأصرخ فلاناً سمع صراخه فذهب إليه لينقذه ، والإنسان عندما يواجه قوة أكبر منه يلجأ إلى الصراخ لعل أحداً يسمع صراخه ويأتي لنجدته . والذي يسمع الصراخ إمَّا أن يكون ضعيفاً فلا يستجيب لأنه لا يستطيع أن ينقذ ذلك الذي يواجه الخطر ، وإمَّا أن يكون قوياً فيذهب لنجدته ، فيقال : أصرخه أي أنقذه وأزال سبب صراخه ، وقوله تعالى : حاكياً ما يقوله الشيطان { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } . أي أن الشيطان لا يستطيع أن ينجيهم من العذاب وينقذهم منه ، فيزيل سبب صراخهم : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } . أي أنتم لا تستطيعون دفع العذاب عني . وقد أخذ الشيطان يزين لهم أعمالهم ويعدهم كذباً بأنه سيجيرهم ويؤازرهم ويعمل على نصرهم حتى اقترب المؤمنون والكفار من بعضهم البعض وأصبحوا على مدى رؤية العين . { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ … } [ الأنفال : 48 ] . أي أنه بمجرد الترائي بين المؤمنين والكفار ، وقبل أن يلتحموا في المعركة ويبدأ القتال هرب الشيطان وتبرأ من الكفار وجرى بعيداً ، وهذا ما يشرحه الله تعالى في قوله : { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الحشر : 16 ] . وهذا كلام منطقي مع موقف الشيطان حينما طرده الله ولعنه لأنه رفض تنفيذ أمر السجود لآدم فقال له الله عز وجل : { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ ص : 78 ] . حينئذ تضرع الشيطان إلى الله تعالى أن يبقيه إلى يوم القيامة : { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الأعراف : 14 ] . وهكذا أقر الشيطان بطلاقة القدرة لله تعالى وبأنه عاجز لا يقدر على شيء أمام قوة الله ، فقال الحق تبارك وتعالى : { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [ الحجر : 37 - 38 ] . إذن فالشيطان لا قدرة له ولا قوة على فعل شيء ، وكل ما يمكنه هو الخداع والتزيين والكذب ، ولذلك أخذ يخدع الكفار ويكذب عليهم ، وما أن صار المؤمنون والكفار على مدى رؤية العين بعضهم لبعض ، هرب الشيطان وفزع ونكص على عقبيه ، وأعلن خوفه من الله لأنه يعلم أن الله شديد العقاب . إذن فمصدر خوف الشيطان هنا هو الخوف من العقاب ومن العذاب الذي سيصيبه حتماً ، ولم يفزع الشيطان - إذن - حبّاً لله تعالى . ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى صورة أخرى : { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ … } .