Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 51-51)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نحن نعلم أن معظم أعمال الإنسان يزاولها بيده ، وقد يفعل أشياء بقدميه أو بلسانه لكن معظم الأعمال تتم باليد لأن اليد تحمل القدرة على الفعل . فسبحانه لم يفتئت عليهم . و " ذلك " إشارة إلى الضرب والعذاب الذي ينالونه جزاء ما قدمت أيديهم . ويقول سبحانه وتعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ الأنفال : 51 ] . أي أن العذاب الذي يصيب الكفار يكون نتيجة أمرين ما قدمت أيديهم أي بما كسبت من الآثام والمعاصي ، وعدل الله سبحانه وتعالى . ونجد الحق سبحانه وتعالى يقول : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ * ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 181 - 182 ] . ويقول سبحانه وتعالى في سورة الحج : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ } [ الحج : 10 ] . وهكذا نجد أن الحق سبحانه وتعالى قد قال : إنه ليس بظلام للعبيد ثلاث مرات في القرآن الكريم ، والذين يحبون أن يستدركوا على كتاب الله يقولون : إنَّه جاء في القرآن أكثر من مرة أنه سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد . فهل هذا يعني أن الله - معاذ الله - ظالم ؟ . ونقول : لا ، فسبحانه ينفي الظلم عن نفسه على إطلاقه . والإنسان حين يظلم فهو ظالم ، فإذا اشتد ظلمه وتعدد ، يقال : " ظلاَّم " . إذن فهذه صيغة مبالغة في الظلم ، مثلما تقول : فلان " آكل " وفلان " أكّال " أي كثير الأكل مبالغة في تناول الطعام . وتقول : فلان " ناجر " أي أمسك قطعة خشب بدون خبرة وصنع منها شيئاً . ولكنك إذا قلت : " نجَّار " كانت هذه صيغة مبالغة تبين إتقانه في صنعته ، كذلك " خائط " و " خيَّاط " ، ونقول : فلان " جازر " أي يستطيع أن يذبح ، فإذا قلت : " جزَّار " أي عمله هو أن يذبح بإتقان . إذن " فعَّال " صيغة مبالغة في الفعل . وصيغ المبالغة لها حالتان ، حالة إثبات وحالة نفي . فأنت حين تقول : فلان " أكّال " أثبت له صفة المبالغة في الأكل - أي كثرة الأكل ، ومن باب أولى صفة الأكل مطلقاً ، وما دمت قد أثبت له الصفة الأعلى تكون الصفة الأدنى ثابتة ، فإذا قلت : إن فلاناً " خيّاط " أثبت له أنه يعرف الخياطة ويجيدها . وإن قلت : إنه " نجَّار " أثبت له أنه ناجر متقن للنجارة ، أما من ناحية النفي فإذا قلت : إن فلاناً ليس أكَّالاً تنفي المبالغة ولكنها لا تنفي أنه يأكل ، فإذا قلت : إن فلاناً ليس نجاراً نفيت عنه إتقانه للنجارة ولكنك لا تنفي عنه أنه قد يكون ناجراً ، وإذا قلت : إن فلاناً ليس علاّمة فقد يكون عالماً . وأنت عندما تثبت الأعلى تثبت الأدنى ، وعندما تنفي الأعلى لا تنفي الأدنى . وعندما تقول : إن فلاناً ليس ظلاَّماً ، تكون قد نفيت الأعلى . ولكن لا يلزم نفي الأدنى فقد يكون ظالماً فقط وليس ظلاَّما . إذن فكلمة " ليس ظلاَّماً " نفت المبالغة فقط ولكنها لم تنف الظلم . وهذا ما قاله المستشرقون : إن آيات القرآن يناقض بعضها بعضاً ، ففي آية مثلاً يقول : { لَيْسَ بِظَلاَّمٍ } فنفي الأعلى ولا يلزم من نفي الأعلى نفي الأدنى . ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ … } [ النساء : 40 ] . فنفي الأدنى والأعلى . وهذا في رأيهم تضارب . نقول : هل إذا نفي الأعلى يلزم أن يثبت الأدنى ؟ طبعاً لا ، إن نفي الأعلى لا يمنع أن يوجد الأدنى ولكنه لا يلزم بوجوده . إذن فقول الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ … } [ النساء : 40 ] . نفي مبدأ الظلم ، وقوله تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ الأنفال : 51 ] . نفي مبدأ المبالغة ، والقرآن يكمل بعضه بعضاً ، فإذا قيل : إن الله نفى الأعلى وهذا إثبات للأدنى نقول : إن نفي الأعلى لا يلزم منه إثبات الأدنى ولا يمنع من وجود الأدنى ، فإذا جاءت آية أخرى ونفت الأدنى ، إذن فلا هو بظلاَّم ولا هو بظالم . ولا بد أن نلتفت إلى الإعجاز القرآني في الأسلوب ، فالمتكلم هو الله . نقول : هل قال الله سبحانه وتعالى : ليس بظلاَّم للعبد أم ليس بظلاَّم للعبيد ؟ لقد قال الحق : { لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } وهي هنا صيغة مبالغة ، والمبالغة مرة تكون في قوة الحدث وإن لم يتكرر ، ومرة تكون في المبالغة في تكرار الحدث ، والإنسان حين يظلم ظلماً بيّناً مبالغاً فيه يقال عنه : إنه ظلاَّم لأنه بالغ في الظلم ، فإذا لم يبالغ في الظلم وكان ظلماً بسيطاً ولكنه شمل عدداً كبيراً من الناس يكون ظلاَّما نظراً لتعدد المظلومين . وما دام الحق سبحانه وتعالى قال : { لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } ولم يقل : ليس بظلاَّم للعبد ، وبما أن الظلم يتناسب مع القدرة . نجد مثلاً قدرة الحاكم على الظلم أكبر من قدرة محدود النفوذ وهذه أكبر من قدرة الشخص العادي ، فلو كان الله سبحانه وتعالى مع كل واحد من عباده ظالماً ولو مثقال ذرة لقيل : ظلاَّم . وقد أراد الله سبحانه وتعالى بهذه الآية الكريمة أن يخبرنا أنه لا يظلم أحداً ولو مثقال ذرة ، إذن فهو ليس بظلاَّم للعبيد لأنه لو ظلم كل عبد من عباده ذرة لكانت كمية الظلم هائلة لكثرة العباد . ولكن حتى هذه الذرة من الظلم لا تحدث من الله سبحانه لأن الله ليس بظلاَّم للعبيد . ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى أمثلة قمة الكفر في الحياة الدنيا فيقول تبارك وتعالى : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ … } .