Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 52-52)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و { الدأب } هو العادة التي تتكرر مع الإنسان ويقال : دؤوب على كذا أي يفعله باستمرار . ويوضح الله سبحانه وتعالى هنا لرسوله صلى الله عليه وسلم : دأب هؤلاء الكفار معك يا محمد ، أي عادتهم معك ، كدأب آل فرعون مع رسولهم ، أي أنهم يفعلون معك يا محمد ، أي عادتهم معك ، كدأب آل فرعون مع رسولهم ، أي أنهم يفعلون معك كما فعل آل فرعون مع موسى عليه السلام . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . أي قوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم ، ما الذي حدث لهؤلاء ؟ هلاك أو اسئصال أو تعذيب أو إغراق أو خسف . إذن فالكفار الذين يعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحاربونه ، ويقفون موقف الأذى منه ، هذا الدأب والموقف منهم معه مثل دأب وموقف آل فرعون مع موسى عليه السلام ، وقوم لوط مع لوط عليه السلام ، وكذلك الذين من قبلهم ، ويقول الحق تبارك وتعالى : { كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ … } [ الأنفال : 52 ] . فهل تركهم الله ؟ . لا . { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } [ الأنفال : 52 ] . فمنهم من أُغرقوا ، ومنهم من أصابتهم الصاعقة ، ومنهم من خسف الله بهم الأرض ، وما دام الله سبحانه وتعالى قد فعل ذلك مع الكفار السابقين كما هو ثابت . فسبحانه سوف ينزل عقابه على الكفار الذين يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم لن يخرجوا عن قاعدة التعامل مع المكذبين للرسل ، وقد حدثت سوابق مشابهة في الكون وقضايا واقعية . فآل فرعون مثلاً بلغوا قمة التقدم والحضارة في عصرهم وسبحانه وتعالى يقول عن حضارة الفراعنة : { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } [ الفجر : 10 ] . وبالنسبة لثمود إذا ذهبنا إلى مدائن صالح في السعودية نجد آثار ثمود وقد حفروا بيوتهم في صخور الجبال ، ويقول الحق عن حضارة ثمود : { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ } [ الفجر : 9 ] . وكل الحضارات القديمة قد زالت في غالبيتها ولا أثر لها ، وإن وجد أثر ، فهو أثر قليل وبسيط لا يحمل كل سمات الحضارة ، إلا آثار الفراعنة حيث تحوي مسلات ضخمة وأعمدة عالية وأهرامات كبيرة وهي باقية ، أما حضارة قوم عاد فالحق سبحانه قد طمس آثارها فلم نعثر منها على شيء حتى الآن . لقد انطمست غالبية آثار الحضارات إلا آثار حضارة آل فرعون التي يأتي إليها الناس من أنحاء الدنيا كلها ليتعجبوا من جمال البناء وروعة الفن وقمة التقدم في التصميم الهندسي ، وكيف نُقِلت هذه الأحجار الضخمة إلى الأماكن العليا بدون سقالات ، وكيف ارتبطت الأحجار كلها مع بعضها البعض كل هذه السنوات الطويلة دون استخدام الأسمنت أو غيره من مواد التثبيت للأحجار ، بل تم ذلك بتفريغ الهواء . فكيف استطاعت هذه الهندسة العجيبة أن تفرغ الهواء بين حجرين كبيرين ضخمين ليلتصقا ببعضهما التصاقاً محكماً بغير لاصق ولا يستطيع أحد أن يزحزحه ، فإذا كانت حضارة الفراعنة قد وصلت إلى هذا الفن الهندسي باستخدام تفريغ الهواء بين أثقال ضخمة فهي حضارة راقية جداً . هذا إن نظرت إلى فن البناء فقط ، وكذلك إن نظرنا إلى تحنيط الجثث التي لا يعرف أحد سرها حتى الآن ، وكيف أمكن المحافظة على المومياوات آلاف السنين دون أن تتحلل . وكذلك إن نظرت إلى الألوان التي طليت بها المعابد والرسومات وبقيت زاهية كما هي رغم كل ذلك الزمن الطويل ، وإلى الحبوب التي حُنطت وبقيت آلاف السنين دون أن يصيبها أي تلف ، بل وصالحة للطعام ، هذه الحضارة التي احتفظت بأسرار هذه الأشياء فلم تصل إليها البشرية حتى الآن ، لا بد أن تكون حضارة قوية وعالية ، ولكنها رغم قوتها وعلوها لم تستطع أن تحفظ نفسها من الانهيار لتصبح أثراً وتظل آثاراً . أين ذهب صناع هذه الحضارة وقد بلغوا شأواً كبيراً وملكوا زمام الدنيا في عصرهم ؟ لا بد - إذن - من وجود قوة أعلى منهم ، قد دكتهم . ولماذا أتى الله بآل فرعون في هذه الآية بالاسم بينما أتى بالحضارات التي كانت قبلهم إجمالاً ؟ ، فقال تعالى : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ الأنفال : 52 ] . لأن آثار آل فرعون قد كشف الله عنها ورَغّبَ فيها البشرية كلها ليأتوا ويروا تلك الحضارة الهائلة التي لم تستطع أن تحمي نفسها ، وذلك الفرعون الذي ادعى أنه إله ولم يستطع أن يضمن لنفسه البقاء . وشاء الله سبحانه أن تبقى آثار هذه الحضارة ليشاهدها الناس جميعاً ، ثم يروا أن الله عز وجل قد أهلك أصحابها وأصبحوا أثراً بعد عين ليعرفوا أن القوة لله جميعاً ، وأن الألوهية لله وحده ، وأن كل شيء هالك إلا الله لذلك ذكرت حضارة آل فرعون مخصصة ، وهذا الذكر لآثار قوم فرعون من إعجازات القرآن لأنه ذكر هذه الحضارة تخصيصاً ثم جاء الحق بخبر الحضارات الأخرى إجمالاً قوم نوح وعاد وإرم وثمود . وكلهم : { كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 52 ] . وعرفنا أن الآيات تطلق ثلاث إطلاقات : الآيات الكونية التي تثبت وجود الخالق الأعلى مثل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [ فصلت : 37 ] . وكذلك المعجزات التي يؤتيها الله رسله لإثبات صدق بلاغهم عن الله مثل انشقاق البحر لموسى عليه السلام ، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى عليه السلام ، ثم آيات القرآن الكريم التي هي محكم منهج الله في الأرض . وقول الحق : { كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 52 ] ، نعلم منه أنهم أنكروا وجود الخالق ، والأصل في الكفر هو الستر ، وكفر يعني ستر . ولذلك يسمون الزارع بالمعنى اللغوي : كافر لأنه يحضر الحب ويستره بالتراب ، ويسمون الليل لغوياً : كافر لأنه يستر الأشياء . والشاعر يقول : @ لي فيك أجر مجاهد إن صح أن الليل كافر @@ ومعنى " كفروا " أي ستروا وجود الله تعالى ، إذن فالله عز وجل موجود ثابت الوجود قبل أن يستروه بالكفر لأن الإيمان أصل في وجود الخلق ، والخلق قد وجدوا على الإيمان ، ثم جاء أناس ستروا هذا الإيمان . إذن فكلمة الكفر التي معناها الستر دليل من أدلة الإيمان ، وإلا لو لم يكن الله موجوداً فكيف يسترون ما ليس له وجود ؟ ، فإذا قال لك أحد : إنه كفر - والعياذ بالله - تقول : الكفر هو الستر فماذا سترت ؟ لا بد أنك سترت ما هو موجود ، وقول الحق سبحانه وتعالى : { كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 52 ] . أي كفروا بآياته الكونية فلم يؤمنوا رغم الآيات الظاهرة التي تملأ الكون ، وكفروا بآيات الرسل فكذبوا رسلهم رغم أنهم جاءوهم بمعجزات تخرق قوانين الحياة ، ولم يصدقوا آيات الكتاب التي أنزلت من السماء لتبين لهم منهج الله تعالى : وقوله تعالى : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 52 ] . إيجاز معبر يذكر لك لماذا أخذهم الله بذنوبهم : { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 52 ] . والأخذ في قوله تعالى : { فَأَخَذَهُمُ } [ الأنفال : 52 ] كان بسبب ما ارتكبوه من ذنوب وإفساد في الأرض . والإنسان حين يجد سوءاً يحيط به وعذاباً أليماً يأتيه فهو يحاول أن يفرَّ منه ، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في آية أخرى : { أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 42 ] . أي أن قدرة الله تعالى تمسك الكافر مسكة محكمة فلا يستطيع فراراً أو هروباً . وقوله سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 52 ] . أي أن الله أقوى من كل ما تصنعون في كونه ، وعقابه تعالى شديد وأليم . ونعلم أن العقاب لا يعم الناس إلا بقدر ذنوبهم ، فليس معنى أن الله شديد العقاب أن تصيب شدة العذاب مَنْ فعل ذنباً بسيطاً ، ولكنْ لكلٍ جزاؤه على قدر ذنبه وهذا العقاب مهما كان بسيطاً فهو شديد أليم ، لأن العقاب من الله إنما يحدث بقدرات الله ، فهما كان بسيطاً فهو شديد أليم ، وقول الحق سبحانه وتعالى : { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } [ الأنفال : 52 ] . هذا القول لا يدخل في الجبرية التي يقول عنها الشاعر : @ ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء @@ ويخطىء من يظن أن الله قد كتب جبراً على إنسان أن يكون كافراً ثم يلقى به في نار جهنم ، لا لأن مثل هذا الأمر يتنافى مع عدالة الله سبحانه وتعالى ، فأنت أيها الإنسان مخير بين الطاعة وبين المعصية ، بين الإيمان وبين الكفر . وعلى هذا نفهم قول الحق : { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } [ الأنفال : 52 ] . أي بسبب ذنوبهم ، وما دام الحق تبارك وتعالى قد توعدهم بعقاب شديد فهذا دليل على شدة ظلمهم . ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى الحيثية لذلك فيقول تعالى : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ … } .