Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و " كما " تدل على تشبيه حالة بحالة ، فهم قد رضوا بقسمة الله في الغنائم بعد أن رفضوها ، وكذلك قبلوا من قبلُ أن يخرجوا لملاقاة النفير بعد كراهيتهم لذلك . لكنهم خرجوا وحاربوا وانتصروا ثم اختلفوا على الغنائم ، ورضوا أخيراً بقسمة الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام . فهل ذكر مسألة كراهيتهم للخروج إلى الحرب هي طعن فيهم ؟ لا ، فهذا القول له حيثية بشرية لأن الذي يريد أن يخوض معركة لا بد أن يغلب عليه الظن بأنه سوف ينتصر ، وإلا سينظر إلى أن عملية الخروج إلى القتال فيها مجازفة . وكان المسلمون في ذلك الوقت قليلي العدد ، وليس معهم عُدَد ، بل لم يكن لديهم من مراكب إلا فرسان اثنان . وكان خروجهم من أجل البضائع والعير ، لا لملاقاة جيش كبير ، وهكذا لم تكن الكراهية لهذه المسألة نابعة من التأبي على أوامر الله تعالى ، أو مطالب رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولكنهم نظروا إلى المسألة كلها بالمقاييس البشرية فلم يجدوا فيها التوازن المحتمل . ويريد الله أن يثبت لهم أنهم لو ذهبوا وانتصروا على العير فقط ، لقيل عنهم إنهم جماعة من قطاع الطرق قد انقضوا على البضائع ونهبوها ، فلم يكن مع العير إلا أربعون رجلاً ، والمسلمون ثلاثمائة ويزيدون ، ومن المعقول أن ينتصروا ، ولكن ربنا أراد أن ينصرهم على النفير الذي استنفره الكفار من مكة ، هذا النفير الضخم في العدد والعدة ويضم جهابذة قريش وصناديدها ، وتتحقق إرادة الحق في أن يزهق الباطل . { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [ الأنفال : 5 ] . والخروج من البيت هنا مقصود به خروج الرسول من المدينة لملاقاة الكفار ، وهذا الفريق من المؤمنين لم تخرجهم الكراهية عن الإيمان لأن معنى " فريق " هم الجماعة الذين يفترقون عن جماعة ويجمعهم جميعاً رباط واحد ، فالجيش مثلاً يتكون من فرق ، يجمعهم الجيش الواحد . وهذه الفرق التي يأتي الحديث عنها هنا هي الفرق التي كرهت أن تخرج إلى القتال رغم أنهم مؤمنون أيضاً ، ونعلم أن كراهية القتال أمر وارد بالنسبة للبشر ، وسبحانه وتعالى القائل : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 216 ] . ويقول الحق بعد ذلك : { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ … } .