Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-61)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي أن الله لم يطالبنا بأن نكون أقوياء لنفتري على غيرنا ، فهو لا يريد منا إعداد القوة للاعتداء والعدوان ، وإنما يريد القوة لمنع الحرب ليسود السلام ويعم الكون لذلك ينهانا سبحانه وتعالى أن يكون استعدادنا للقتال وسيلة للاعتداء على الناس والافتراء عليهم . ولهذا فإن طلب الخصم السلم والسلام صار لزاماً علينا أن نسالمهم . وإياك أن تقول : إن هذه خديعة وإنهم يريدون أن يخدعونا لأنك لا تحقق شيئاً بقوتك ، ولكن بالتوكل على الله عز وجل والتأكد أنه معك ، والله عز وجل يريد الكون متسانداً لا متعانداً . وهو سبحانه وتعالى يطلب منك القوة لترهب الخصوم . لا لتظلمهم بها فتقاتلهم دون سبب . وقول الحق سبحانه وتعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } [ الأنفال : 61 ] . أي إن مالوا إلى السلم ودعوك إليه فاتجه أنت أيضاً إلى السلم ، فلا داعي أن تتهمهم بالخداع أو تخشى أن ينقلبوا عليك فجأة لأن الله تعالى معك بالرعاية والنصر ، وأنت من بعد ذلك تأخذ استعدادك دائماً بما أعددته من قوتك . وقول الحق : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الأنفال : 61 ] . أي إياك أن تتوكل أو تعتمد على شيء مما أعددت من قوة لأن قصارى الأمر أن تنتهي فيه إلى التوكل على الله فهو يحميك . ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى حيثية ذلك فيقول : { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [ الأنفال : 61 ] . أي أنه لا شيء يغيب عن سمعه إن كان كلاماً يقال ، أو عن علمه إن كان فعلاً يتم . وإياك أن تخلط بين التوكل والتواكل ، فالتوكل محله القلب والجوارح تعمل فلا تترك عمل الجوارح وتدعي أنك تتوكل على الله ، وليعلم المسلم أن الانتباه واجب ، وإن رأيت من يفقد يقظته لا بد أن تنبهه إلى ضرورة اليقظة والعمل ، فالكلام له دور هنا ، وكذلك الفعل له دور لذلك قال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [ الأنفال : 61 ] . ولنلحظ أن قول الحق تبارك وتعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [ الأنفال : 61 ] . هذا القول إنما جاء بعد قوله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [ الأنفال : 60 ] . وهي آية تحض على الاستعداد للقتال بإعداد العدة له . ويريد الحق تبارك وتعالى أن ينبهنا إلى قوة المؤمنين واستعدادهم الحربي يجب ألا يكونا أداة للطغيان ، ولا للقتال لمجرد القتال . ولذلك ينبهنا سبحانه وتعالى إلى أنهم لو مالوا إلى السلم فلا تخالفهم وتصر على الحرب لأن الدين يريد سلام المجتمع ، والإسلام لا ينتشر بالقوة وإنما ينتشر بالإقناع والحكمة . فلا ضرورة للحرب في نشر الإسلام لأنه هو دين الحق الذي يقنع الناس بقوة حجته ويجذب قلوبهم بسماحته ، وكل ذلك لشحن مدى قوة الإيمان ، لنكون على أهبة الاستعداد لملاقاة الكافرين ، ولكن دون أن تبطرنا القوة أو تدعونا إلى مجاوزة الحد ، فإن مالوا إلى السلم ، علينا أن نميل إلى السلم لأن الله سبحانه وتعالى يريد سلامة المجتمع الإنساني . وإن كنتم تخافون أن يكون جنوحهم إلى السلم خديعة منهم حتى نستنيم لهم ، ثم يفاجئونا بغدر ، فاعلم أن مكرهم سوف يبور لأنهم يمكرون بفكر البشر ، والمؤمنون يمكرون بفكر من الحق سبحانه وتعالى لذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ … } .