Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 63-63)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والتأييد هنا عناصره ثلاثة : الله يؤيد بنصره ، والله يؤيد بالمؤمنين ، والله يؤلف بين قلوب المؤمنين . والتأليف بين القلوب جاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل لقوم لهم عصبية وحمية ، وهم قبائل متفرقة تقوم الحروب بينهم لأتفه الأسباب لأن عناصر التنافر موجودة بينهم أكثر من عناصر الائتلاف . إن القبيلة مجتمعة تهب للدفاع عن أي فرد فيها مهما كانت الأسباب والظروف ، حتى إنه ليكفي أن يسب واحد من الأوس مثلاً واحداً من الخزرج لتقوم الحرب بين القبيلتين ، ولو أن القلوب ظلت على تنافرها لما استطاعت هذه القبائل أن تواجه أعداء الإسلام ، ولشغلتها حروبها الداخلية عن نصرة الدين والدفاع عنه ومواجهة الكفار . ولكن الله ألَّف بينهم ، وبعد أن كانوا أعداءً أصبحوا أحباباً . وبعد أن كانوا متنافرين أصبحوا متوادين . وهكذا ألَّف الله بين قلوب المسلمين بحيث أصبح الإسلام في قلوبهم وأعمالهم وأسلوب حياتهم هو أقوى رابطة تربط بينهم . فأصبحت أخوة الدين أقوى من أخوة النسب . وحين تتآلف القلوب فهذا أقوى رباط لأن كل عمل يقوم به الإنسان إنما ينشأ عن عقيدة في القلب . إن القلب هو مصدر النية التي يتبعها السلوك ، فالذي يحرك إنساناً مَوْتوراً منك ويثير جوارحه ضدك ، إنما هو القلب ، فإن وجدت إنساناً يعبس في وجهك فافهم أن في قلبه شيئاً ، وإن لقيته وحاول أن يضربك فافهم أن في قلبه شيئاً أكبر ، وإن حاول أن يقتلك ، يكون في قلبه شعورٌ أعمق بالبغض والكراهية . إذن فالينبوع لكل المشاعر هو القلب . ولذلك نرى الإنسان يُضَحِّي بكل شيء وربما ضحَّى بحريته وبماله في سبيل ما آمن به واستقر في قلبه ، ونحن نرى العلماء في معاملهم يعيشون سنوات طويلة ويحرمون أنفسهم من متع الحياة الدنيا لأن العلم قد تحول إلى عقيدة في قلوبهم سواء أكانوا مسلمين أم غير ذلك ، فكأنما نية القلب وما يستقر فيها هي أقوى ما في الحياة . ثم يبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا فضل عظيم منه أن ألف بين قلوب المؤمنين فيقول : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 63 ] . والتأليف بين القلوب هو جماع التواد والمساندة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي يرويه عنه النعمان بن بشير رضي الله عنهما : " ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله " . والحديث بتمامه : " انّ الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " . ولم تكن المسألة في تأليف القلوب مسألة احتياج إلى مال لأن المال لا يمكن أن يعطي الحب الحقيقي ، ولذلك فهناك بين الناس ارتباط مصالح وارتباط قلوب ، وارتباط المصالح ينتهي بمجرد أن تهتز أو تنتهي هذه المصالح ، لكن ارتباط القلوب يتحدى كل الأزمات ، وأنت لا تستطيع أن تجعل إنساناً يحبك حقيقة مهما أعطيته من مال لأن الحب الحقيقي لا يشترى ولا يباع ، إنما يشترى النفاق والتظاهر وغير ذلك من المشاعر السطحية . والعرب الذين ألف الله بين قلوبهم لم يكن يهمهم المال بقدر ما تهمهم الحمية والعصبية ، فغالبيتهم يملكون الثروات ، ولكن الفُرْقة فيما بينهم نابعة من الحمية والعصبية التي تجعل في القلوب غلاً وحسداً وحقداً لذلك تنفعل جوارحهم . يقول الحق تبارك وتعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 63 ] . وما دام الله سبحانه وتعالى له عزة فهو لا يُغْلَب ، وما دام حكيماً فهو يضع الأمور في مكانها السليم ، والله سبحانه وحده هو القادر على أن يجعل القلوب تتآلف لأن القلوب في يد الرحمن يقلبها كما يشاء ، لذلك ندعو بدعاء رسول الله : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ، فعن شهر بن حوشب قال : قلت لأم سلمة رضي الله عنها يا أم المؤمنين ما أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك ؟ قالت : كان أكثر دعائه " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " . وسبحانه وتعالى يقول : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [ الأنفال : 24 ] . ثم يعطينا الله سبحانه وتعالى قضية إيمانية فيقول : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ … } .