Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 71-71)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ويوضح الحق سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : لا توافقهم على ما يريدون ، فهم إن أضمروا لك الخيانة فقد خانوا الله من قبل فمكنك منهم فلا تأمن لهم ، وسبحانه يعلم ما في صدورهم . وبعد أن تكلم سبحانه عن قصة بدر وأسرى بدر ، والمواقف التي وقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في هذه القصة ، أراد سبحانه وتعالى أن يصنف الأمة الإسلامية المعاصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عناصرها ، ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاح بالدعوة الإسلامية في مكة ، ومكة هي مركز سيادة العرب ، وكانت قبيلة قريش هي سيدة جميع قبائل العرب وسيدة الجزيرة كلها ، لأن قريشاً سيدة مكة ، ومكة فيها بيت الله الحرام ، وكانت كل قبيلة من قبائل العرب يكون بعض من أبنائها في بطن سيادة قريش خلال الحج ، وما دامت كل قبيلة تذهب إلى مكة فهي تطلب حماية قريش ، ولم توجد قبيلة تعادي قريشاً أو تجرؤ على مهاجمتها لأنها تعلم أنه سيجيء يوم تكون فيه تحت حماية قريش وتحت رحمتها حتى الحج إلى بيت الله الحرام . إذن فسيادة قريش نشأت من وجود البيت . ولو أن هذا البيت لم يكن موجوداً لكان مركز قريش كمركز أي قبيلة من العرب ، ولو أن البيت قد هدم من أبرهة ، لكانت سيادة قريش قد انتهت . ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الفيل : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 1 - 5 ] . ثم تأتي بعدها مباشرة السورة الكريمة التي توضح لنا أن الله سبحانه وتعالى حين حفظ بيته وفتك بجيوش المعتدين فجعلهم كعصف مأكول ، قد أكد هذه السيادة لقريش فيقول تبارك وتعالى في السورة التي سميت باسمها : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 1 - 4 ] . إذن فالذي أعطى السيادة لقريش هو بيت الله الحرام . ولذلك تذهب قوافلهم بالتجارة لليمن والشام ولا يجرؤ أحد من القبائل أن يتعرض لها . ولو لم يكن بيت الله الحرام في مكة وقريش سادة مكة لما كان لهم هذا الوضع المتميز والمكانة العالية ، إذن فعز قريش في بيت الله الحرام ، وأمنهم وسيادتهم في أنهم جالسون في راحة وتنتقل قوافلهم إلى الشام وإلى اليمن . ثم تعود محملة بالخير والربح وهم آمنون مطمئنون . وحين أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته كان ذلك الإعلان في مكة ، وقد أعلنها صلى الله عليه وسلم في وجه الجبابرة وأقوياء الجزيرة العربية كلها . ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدأ دعوته في قبيلة ضعيفة خارج مكة لقالوا : استضعفهم وغرر بهم ، أو لقالوا يريدون به السيادة ، أي أنهم كقبيلة مستضعفة لم يأخذوا رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إيماناً ، ولكنهم أخذوها سلماً ليسودوا بها الجزيرة العربية . ولكن شاء الحق تبارك وتعالى أن يكون ميلاد الرسالة في مكة وأول من سمعها هم سادة قريش لتأتي في مركز السيادة ويكون المراد بها هو الحق ، وإعلاءه في وجه سادة الجزيرة العربية . ثم كانت المعركة بين سادة قريش والإسلام وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه وحاولوا إيقاف الدعوة بكل الطرق وشتى الحيل . لكن هل انتصروا ؟ ثم هل امتد الإسلام وانتشر من مكة ؟ . لا ، بل كانت الهجرة إلى المدينة ، ومن هناك امتد الإسلام . إذن فقد بدأ الإسلام من مكان السيادة في الجزيرة العربية ، ولكنه انتشر من مكان لا سيادة فيه ، لماذا ؟ لأن الإسلام لو انتشر من مكة لقالوا : قوم ألفوا السيادة على الناس ، وتعصبوا لواحد منهم ليمدوا سيادتهم من الجزيرة العربية إلى أماكن أخرى في العالم . ولكن النصر جاء من المدينة لتعلم الدنيا كلها : أن الإيمان بمحمد هو الذي خلق العصبية لمحمد ، وهو الذي حقق النصر لمحمد ، ولم يخلق العصبية لرسول الله أنه من قريش ، أو أنه من قبيلة اعتادت سيادة الجزيرة العربية . ويصنف الحق سبحانه وتعالى لنا المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء منهم المهاجرون . ومنهم الأنصار ، ومنهم جماعة مؤمنة لم يهاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم هاجروا بعد ذلك . ومنهم جماعة آمنوا ولم يهاجروا من مكة وبقوا فيها حتى الفتح . إذن : هناك أربع طوائف : الذين هاجروا مع الرسول إلى المدينة ، والأنصار الذين استقبلوهم وآووهم . وطائفة لم يهاجروا مع رسول الله ولكنهم هاجروا بعد ذلك ، وطائفة بقيت في مكة حتى الفتح . ويقول الحق تبارك وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ … } .