Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 72-72)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفئة الأولى في هذه الآية هم المهاجرون وقال فيهم الحق تبارك وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 72 ] . والفئة الثانية هم الأنصار الذين قال فيهم الحق تبارك وتعالى : { وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } [ الأنفال : 72 ] . ثم يوحد الله تعالى بين المهاجرين والأنصار فيقول عز وجل : { أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ الأنفال : 72 ] . وبعض من العلماء فسر قول الحق : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ الأنفال : 72 ] على أنها تشمل الالتحام الكامل ، لدرجة أنه كان يرث بعضهم بعضاً أولاً - حسب قول العلماء - إلى أن نزلت آيات الإرث فألغت ذلك التوارث الذي كان بينهم . وقول الحق تبارك وتعالى : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 75 ] . أبعدت هذا المعنى ، وبعض العلماء قال : إن الولاية هي النصر ، وهي المودة ، وهي التمجيد ، وهي الإكبار ، فقالوا : هذه صفات الولاية ، وهناك آية أخرى عن الأنصار يقول فيها الحق تبارك وتعالى : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [ الحشر : 9 ] . وقد عرفنا الكثير عن الإيثار من الأنصار الذي قد بلغ مرتبة لا يتسامى إليها البشر أبداً إلا بصدق الإيمان ، ذلك أن الرجل الذي يعيش في نعمة وله صديق أو حبيب يحب أن يتحفه بمشاركته في نعمته ، فإذا كان عنده سيارة مثلاً يعطيها له ليستخدمها ، وإذا كان له بيت جميل قد يدعوه للإقامة فيه بعض الوقت ، وإذا كان عنده ثوب جميل أو فاكهة نادرة قد يعطيه منها ، إلا المرأة فهي النعمة التي يأنف الرجل أن يشاركه فيها أحد . ولكن عندما وصل المهاجرون إلى المدينة وتركوا نساءهم في مكة ، كان الأنصاري يجيء للمهاجر ويقول له : انظر إلى نسائي والتي تعجبك منهن أطلقها لتتزوجها . هذه مسألة لا يمكن أن يصنعها إلا الإيمان الكامل ، وحين يصنعها الإيمان ، فهذا الإيمان يجدع أنف الغيرة ويمنعها أن تتحرك ، ولا يكون هناك من له أكثر من زوجة ومن هو محروم من المرأة . وقد حدد الحق لنا ميزة كل طائفة من طوائف المؤمنين وبَيَّنَ أحكامهم : فالطائفة الأولى المهاجرون الذين آمنوا وتركوا دينهم الذي ألفوه ، ثم هاجروا وتركوا أوطانهم وبيوتهم وأموالهم وزوجاتهم وأولادهم وجمالهم وزروعهم ، ثم بعد ذلك عملوا لينفقوا على أنفسهم بمال يكتسبونه وينفقون منه أيضاً على الجهاد مع أنهم تركوا أموالهم وكل ما يملكون في مكة ، فكأنهم ضحوا بالمال وضحوا بالنفس . ودخلوا وهم قلة بلغت ما بلغت فلن تزيد عن ثلاثمائة ودخلوا في معركة مع الكثرة المشركة ، ولم يكونوا واثقين من النصر ولكنهم كانوا يطلبون الشهادة . إذن فهم آمنوا ، هذه واحدة ، وهاجروا ، وهذه الثانية ، وجاهدوا بأموالهم هذه الثالثة ، وجاهدوا بأنفسهم هذه الرابعة ، وكانوا أسوة لأنهم سبقوا إلى الإيمان والجهاد فشجعوا غيرهم على أن يؤمنوا ، ولذلك فلهم أجر من سن سنة حسنة ، ولهم أجر من عمل بها ، وهؤلاء هم السابقون الأولون ولهم منزلة عالية وعظيمة عند الله عز وجل . والطائفة الثانية الأنصار وهم الذين آووا هذه واحدة ، ونصروا هذه الثانية ، وأحبوا من هاجر إليهم ، هذه الثالثة . وهؤلاء جمعهم الله في الولاية أي النصرة والمودة والتعظيم والإكبار . ثم يأتي القول من الحق تبارك وتعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] . وهؤلاء هم الطائفة الثالثة الذين آمنوا وتركوا دينهم الذي ألفوه . ولكنهم لم يهاجروا ولم يتركوا أوطانهم ولا أولادهم ولا أزواجهم ولا أموالهم ، إذن فيهم خصلة تمدح وخصلة ثانية ليست في صالحهم فموقفهم بين بين ، ولكن لأنهم لم يهاجروا لذلك يأتي الحكم من الله : { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] . إذن فهذه الطائفة آمنت ولم تهاجر ، ولكن عدم هجرتهم لا يجعل لهم عليكم ولاية ، إلا أن قوله تبارك وتعالى : { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] . وفي هذا تشجيع لهم حتى يهاجروا ، كأن تقول لابنك : ليس لك عندي مكافأة حتى تذاكر . وفي هذا تشجيع له على المذاكرة . ولم يقطع الله سبحانه وتعالى أمامهم الطريق إلى الهجرة لأنهم ربما فهموا أن الهجرة لم تكن إلا في الأفواج الأولى لأنه قال : " والذين آمنوا وهاجروا " أي أن الباب مفتوح . وكلمة " هاجروا " مأخوذة من الفعل الرباعي " هاجر " ، والاسم " هجرة " والفعل " هاجر " . وهجر غير هاجر . فقد يترك الإنسان مكاناً يقيم فيه فيكون هذا معناه " هجر " أي ترك وهو عن قلة وضيق تدفع إلى الهرب ، إنما هاجر لا بد أن يكون هناك تفاعل بين اثنين ألجأه إلى أن يهاجر ، إذن فهناك عمليتان ، اضطهاد الكفار للمسلمين لأنهم لو لم يضطهدوهم وعاشوا في أمان يعلنون إيمانهم وإسلامهم ، ما حدثت الهجرة . ولكن الاضطهاد الذي لاقاه المسلمون كان تفاعلاً أدى إلى هجرتهم ، والمتنبي يقول : @ إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همو @@ أي أنك إذا تركت قوماً دون أن يكرهوك على ذلك تكون أنت الذي رحلت عنهم ، ولكن المهاجرة التي قام بها المسلمون كانت بسبب أن الكفار ألجأوهم إلى ذلك ، إذن هجر تكون من جهة واحدة ، واسم الهجرة مأخوذ من هاجر ، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول : إن الدار التي اضطهدتم فيها كان يصح أن تهجروها . ويوضح الحق سبحانه وتعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } [ الأنفال : 72 ] . أي لا بد أن يكون هناك التضامن الإيماني دون الولاية الكاملة للمؤمنين الذين لم يهاجروا . فالإيمان له حقه في قوله تعالى : { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } [ الأنفال : 72 ] . ولكن النصر هنا مشروط بشرط آخر هو : { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } [ الأنفال : 72 ] . فاحفظوا هذا الميثاق لأن نقض العهود الميثاقية ليس من تعاليم الدين الإسلامي . ولكن ما دام بينكم وبينهم ميثاق فيجب أن تتم التسوية عن طريق التفاهم . فعليكم احترام ما اتفقتم وتعاهدتم عليه . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } [ الأنفال : 72 ] . أي يعلم ويرى كل ما تصنعون وقد جمعهم الله سبحانه وتعالى كمؤمنين في آية واحدة وكلهم في مراتب الإيمان وهم قسم واحد . ثم يأتي الحديث بعد ذلك عن القسم الثاني المقابل فيقول سبحانه وتعالى : { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ … } .