Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 75-75)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إذن فمن آمن بعد هؤلاء الأولين وهاجر وجاهد له أيضاً مغفرة ورزق كريم . هكذا حدد الحق سبحانه وتعالى فئات المؤمنين وجعل لكل فئة مقامها ، فالذين آمنوا هم جميعاً قد انتموا انتماء أوليا إلى الله ، ولذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان مقهوراً في أشياء ومختاراً في أشياء يفعلها أو لا يفعلها ، والمؤمن يختار ما أراده الله تعالى له ففعل ما قال له : " افعل " ، ولم يفعل ما قال له : " لا تفعل " ، فكأنه اختار مرادات الله في التشريع . إن معنى الإيمان أن يستقر في قلبك وأن تؤمن أن الله تعالى بكل صفات كماله خلق لنا هذا الكون وخلقنا ، وأننا جئنا إلى هذا الكون فوجدناه قد أعد لنا إعداداً جيداً ، كل ما فيه مسخر لخدمة الإنسان ، وأعطانا الله سبحانه وتعالى الاختيار في أشياء ، وجعلنا من رحمته مقهورين في أشياء . مثلاً دقات القلب والدورة الدموية وأجزاء جسمك الداخلية مقهورة لله عز وجل لا دخل لاختيارك فيها ، وكذلك التنفس فأنت تتنفس وأنت نائم ولا تعرف كيف يحدث ذلك ، ولكن الأفعال التي تصدر منك بعد فكر ، تلك هي الأفعال التي جعل الله لك فيها اختياراً . ولو أرادك الخالق أن تكون مقهوراً لفعل ، ولو أراد أن يؤمن الناس جميعاً لفعل ولكنه سبحانه وتعالى ترك لهم الاختيار فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ليعرف مَنْ مِن عباده أحب الله فأطاعه في التكليف ، ومَنْ مِن الخلق قد عصاه . إذن فالانتماء الأول للمسلم هو انتماء الإيمان ، وللإنسان انتماءات أخرى ينتمي لوطنه ولأهله ولأولاده ولماله ، ولكن الانتماء الأول يجب أن يكون لله تعالى ، بحيث يترك الناس أوطانهم وأموالهم وأهلهم إذا كان الإيمان يقتضي ذلك . والإنسان المؤمن هو الذي يترك اختياره فيختار ما أمر به الله عز وجل ، ويجعل كل ما يملكه في خدمة ذلك فيجاهد بنفسه لأن الله أمره بذلك ، ويجاهد بماله لأن الله أمره بذلك . إذن فالمؤمن الحق لا انتماء له إلا لله . فالذين هاجروا والذين آووا ونصروا ، تركوا أموالهم وأولادهم وكل ما يملكون حباً في الله وطاعة له . فالأنصار لم يهاجروا ولكنهم وضعوا كل إمكاناتهم في إيواء المهاجرين حباً لله فتنازلوا عن مساكن لهم وأموال لهم ، وتنازلوا عن زوجاتهم في سبيل الله كل منهم مؤمن حقًا ، أما الفئة الثانية فهناك نقص في إيمانهم ذلك أنهم لم يهاجروا رغم إسلامهم وفضلوا أن يبقوا مع أولادهم وأهلهم . ولذلك قال الله سبحانه وتعالى عنهم : { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ … } [ الأنفال : 72 ] . أي ليس مطلوباً أن توالوهم ، لكن إذا استنصروكم في الدين فعليكم النصر ، لماذا ؟ لأنهم لم يتركوا الانتماءات الأخرى مثل المال والولد والأهل ومكان الإقامة . والفئة الثالثة هم الذين جاءوا بعد ذلك ، لم تكن هناك هجرة ليهاجروا ولكن من آمن منهم وجاهد وترك اختياره وخضع لاختيار الله خضوعاً تاماً يكون كالمؤمنين الأوائل لأنهم تركوا كل الانتماءات من أجل الله تعالى . ثم يختتم الحق سبحانه سورة الأنفال بهذه الآية الكريمة : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ … } .