Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 101-101)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أوضح سبحانه : وطِّنوا أنفسكم على أن من حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون ، وهذا التوطين يعطي مناعة اليقظة حتى لا يندس واحد من المنافقين على أصحاب الغفلة الطيبين من المؤمنين ، فينبههم الحق : انتبهوا فأنتم تعيشون في مجتمع محاط بالمنافقين . والتطعيم ضد الداءات التي تصيب الأمم وسيلة من وسائل محاربة العدو ، ونحن نفعل ذلك ماديّاً حين نسمع عن قرب انتشار وباء فنأخذ المصل الواقي منه ، رغم أنه داء إلا أنه يعطينا مناعة ضد المرض . وهكذا يربي الحق المناعة بحيث لا يمكن أن يُهاجَم المؤمنون عن غفلة ، فيقول : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } و " مرد " يمرد أي : تدرب وتمرن ، ويبقى الأمر عنده حرفة ، وكأن الواحد منهم يجيد النفاق إجادة تامة . وكل ذلك ليوجد مناعة في الأمة الإسلامية حتى يكون المؤمن على بصيرة في مواجهة أي شيء ، فإذا رأى أي سلوك فيه نفاق اكتشفه على الفور . واليقظة تدفع عنك الضر ، ولا تمنع عنك الخير . وافرض أن واحداً قال لك : إن هذا الطريق مَخُوف لا تمشِ فيه وحدك بالليل . ثم جاء آخر وقال : إنه طريق آمن ومشينا فيه ولم يحدث شيء ، فلو أنك احتطْتَ وأخذت معك سلاحاً أو رفيقاً فقد استعددت للشر لتتوقاه ، فَهَبْ أنه لم يحدث شيء ، فما الذي خسرته ؟ إنك لن تخسر شيئاً . وهذه قضية منطقية فلسفية يُردّ بها على الذين يشككون في دين الله ، مثل المنجِّمين ، ومَن يدَّعون الفلسفة ، ويزعمون أنه لا يوجد حساب ولا حشر ولا يوم آخر ، فيقول الشاعر : @ زَعَم المنجِّم والطَّيبُ كلاهما لا تُحْشَرُ الأجسَاد قلْتُ إليكُمَا إنْ صَحَّ قولكُمَا فَلسْتُ بخَاسرٍ أوْ صَحَّ قَوْلِي فَالخسَار عليكُما @@ أي : إن كان كلامكم صحيحاً من أنه لا يوجد بعث - والعياذ بالله - فلن أخسر شيئاً لأني أعمل الأعمال الطيبة . وإن كان هناك بعث - وهو حق - فسوف ألقى الجزاء في الجنة وبذلك لم أخسر ، بل كسبت . لكن افرضوا أنكم عملتم الشر كله وجاء البعث فأنتم الخاسرون . والقضية الفلسفية المنطقية هنا هي : إن لم أكسب فلن أخسر ، وأنتم إن لم تخسروا فلن تكسبوا . والحق في هذه الآية يقول : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ … } وكلمة { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ } تفيد أنكم محاصرون ، لا ممن حولكم فقط ، بل أيضاً ببعض من الموجودين بينكم في المدينة ، وهم من تدربوا على النفاق حتى صارت لهم ألفة به . وهذه الآيات - كما نعلم - قد نزلت تحكي حال المنافقين . والنفاق تتعارض فيه ملكات النفس الإنسانية بأن توجد ملكة كفر في القلب ، بينما توجد ملكة إيمان في اللسان ، فلا يتفق اللسان مع القلب ، فالذين آمنوا يوافق ما ينطقون به ما في قلوبهم ، والذين كفروا وافقت قلوبهم ألسنتهم . أما الصنف الثالث : وهم الذين نطقوا بالإيمان بألسنتهم ، ولم تؤمن قلوبهم ، فهؤلاء هم المنافقون . وهو لفظ مأخوذ من " نافقاء اليربوع " وهو حيوان صحراوي يشبه الفأر ، ويخدع من يريد صيده ، فيجعل لبيته أو جحره عدة فجوات ، فإذا طارده حيوان أو إنسان يدخل من فجوة ، فيتوهم الصائد أنه سيخرج منها ، ويبقى منتظراً خروجه ، بينما يخرج اليربوع من فجوة أخرى ، فكأنه خادع الصائد ، فالصائد يظن أن للجحر باباً واحداً ، ولكن الحقيقة أن للجحر أكثر من مدخل ومخرج . والنفاق بهذه الصورة فيه ظاهرتان : ظاهرة مَرَضيّة في المنافق ، وظاهرة صحية في المنافَق ولذلك لم ينشأ النفاق في مكة ، وإنما نشأ في المدينة . ومن العجيب أن ينشأ النفاق في المدينة التي آوت الإسلام وانتشر منها ، وانساح إلى الدنيا كلها ، ولم يظهر في مكة التي أرادت أن تطمس الإسلام ، وحارب سادتُها وصناديدُها الدعوةَ . إذن : فلا بد أن نأخذ من النفاق ظاهرتين : الظاهرة الأولى وهي الظاهرة المرضيّة ، حيث قال الحق : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً … } [ البقرة : 10 ] . أما الظاهرة الثانية فهي الظاهرة الصحية ، فقد أصبح الإسلام قويّاً بالمدينة غيره عند بدء الدعوة في مكة . إنما يُنَافَق القوي لأن المنافق يريد أن ينتفع بقوة القوي ، كما أن المنافق يعرف أنه لن يستطيع مواجهة القوي ، أو أن يقف منه موقف العداء الظاهر . إذن : فالنفاق حين يظهر ، إنما يظهر في مجالات القوة ، لا في مجالات الضعف ، فالرجل الضعيف لا ينافقه أحد ، والرجل القوي ينافقه الناس . إذن : فالنفاق ظاهرة مرضية بالنسبة للمنافق ، وظاهرة صحية في المنافَق . وأراد الحق سبحانه أن يكشف للمؤمنين أمر المنافقين الذين يتلصصون عليهم ، أي : يتخذون مسلك اللصوص في أنهم لا يُواجهون إلا في الظلام ، ويحاولون أن يدخلوا من مداخل لا يراهم منها أحد ، ويتلمَّسون تلك المداخل التي لا تظهر ، ويُخْفون غير ما يظهرون . أما مواجهة الكافر فهي مسألة واضحة ، صريحة فهو يعلن ما يبطن ، ويواجهك بالعداء . وأنت تواجهه بجميع قوتك وكل تفكيرك لأنه واضح الحركة . أما المنافق الذي يُظهر الإيمان وفي قلبه الكفر ، فهو يتلصص عليك ، وعليك أن تحتاط لمداخله لأنه ينتظر اللحظة التي يطعنك فيها من الخلف . وينبهنا الحق إلى ضرورة الاحتياط ، وأن يمتلك المؤمنون الفطنة والفراسة وصدق النظر إلى الأشياء ، وعدم الانخداع بمظاهر تلك الأشياء ، فكشف لنا سبحانه كل أوجه النفاق كشف منافقي المدينة حيث يوجد منافقون وغير منافقين ، ومنافقي الأعراب الذين يوجد بينهم منافقون وغير منافقين ، وعَلّم الحق سبحانه المؤمنين كيف يتعرفون على المنافقين بالمظاهر التي تكشف ما يدور في صدورهم . وسبحانه القائل عن المنافقين : { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ … } [ محمد : 30 ] . ولكنْ هناك لون من النفاق ، نفاق فني دقيق ، يغيب على فطنة المتفطن ، وعلى كياسته . ولذلك يوضح لنا سبحانه : أنا لا أكلُكم إلى فطنتكم لتعلموا المنافقين ، وإنما أنا أعلمه وأنتم لا تعلمونه لأنهم قد برعوا في النفاق { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } ورغم فطنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكياسته فقد أوضح له الحق أنه سيغيب عنه أمرهم لأنهم احتاطوا بفنيّة النفاق فيهم حتى لا يظهر . لقد عبّر القرآن التعبير الدقيق ، فقال : { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } والمادة نفسها في كلمة { مَرَدُواْ } هي من مرد ، يمرد ، مروداً ، ومارداً ، ومريداً ، هذه المادة تصف الشيء الناعم الأملس الذي لا تظهر فيه نتوءات ، ومنه الشاب الأمرد ، يعني الذي لم ينبت له شعر يخترق بشرته ، إذن : المادة كلها تدل على الثبات على شيء ، وعدم وجود شيء فيه يخدش هذا الثبات . ويوضح سبحانه : تنبَّهوا ، فممَّن حولكم من الأعراب منافقون ، وقوله الحق : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ } يشعر بأنهم محاطون بالنفاق ، ولماذا يحاطون بالنفاق ؟ لأن الدعوات الإيمانية لا تظهر إلا إذا طمّ الفساد في بيئة . ونعلم أن الحق قد جعل في النفس أشياء تطرد الباطل ، وإن ألحّ الباطل عليها فترة ، تتنبه النفس إليه وتطرده . وهؤلاء هم الذين يتوبون ، يقترفون الذنب ثم ترجع إليهم نفوسهم الإيمانية فتردعهم . إذن : فالردع إما أن يكون ذاتيّاً في النفس ، وإما أن يكون من المجتمع للنفس التي لا يأتيها الردع من الذات ، فهي نفس أمَّارة بالسوء ، وهي لا تأمر بالسوء مرة وتنتهي ، بل هي أمّارة به ، أي : اتخذت الأمر بالسوء حرفة لأن صيغة " فعّال " تدلنا على المزاولة والمداومة . وإذا كانت المناعة في النفس فهذا أمر يسير ويأتي من النفس اللوامة ، وقد يكون المجتمع الذي حول الإنسان هو الذي يردع النفس إن ضعفت في شيء . وبهذا تكون المناعة في المجتمع ، أما إذا طمّ الفساد أيضاً في المجتمع فلا النفس تملك رادعاً ذاتيّاً ، ولا المجتمع فيه رادع هنا لا بد أن تتدخل السماء ، وتأتي دعوة الحق بآياتها ، وبيناتها ، ومعجزة الرسول . هنا يقف أصحاب الفساد - وتكون نفوسهم أمّارة بالسوء - موقفاً ينافقون به القوة الطارئة الجديدة ، بينما تظل نفوسهم أمّارة بالسوء ، فتظهر ظاهرة النفاق . وقوله الحق : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } أي أنكم مطوقون في ذاتكم ومن حولكم ، فالنفاق في ذات المكان الذي تقيمون فيه ، وفيما حولكم أيضاً . وأخشى ما يخشاه الإنسان ، أن يوجد الأمر الضار حوله وفيه لأنه إن كان الأمر الضار في المكان الذي يعيش فيه ، فمن حوله يستطيعون إنقاذه أو يستطيع هو أن يهجر المكان ، لكن إن كان محاصراً بالضرر ممن حوله ومن المكان الذي يحيا فيه ، فإلى أين يذهب ؟ ويريد سبحانه أن ينبه المؤمنين إلى أن ظاهرة النفاق متفشية منها ما تستطيعون - أيها المؤمنون - معرفته بمعرفة حركات المنافقين وسكناتهم ولحن قولهم وتصرفاتهم ، ومنها أمر دقيق خفي لا تعلمونه ، ولكنه سبحانه يعلمه ولأنكم غير مسلمين لأنفسكم ، ولكم رب يعلمكم ما لا تعلمون فاطمئنوا فسوف يفضحهم لكم . ونتيجة هذا العلم أنكم سترون فيهم العقوبات فيأتي فيهم القول الحق : { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } . هم إذن سيعذبون مرتين في الدنيا ، ثم يردون لعذاب الآخرة ، وأول عذاب لمن يستر نفاقه أن يفضح نفاقه ولذلك خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قم يا فلان فأنت منافق ، قم يا فلان فأنت منافق ، قم يا فلان فأنت منافق " . أو تأتي له مصائب الدنيا . ولقائل أن يقول : وهل المصائب عذاب للمنافق ، إن المصائب قد تصيب المؤمن أيضاً ؟ ونرد : إن المصائب تأتي للمؤمن لإفادته ، ولكنها تأتي للمنافق لإبادته . فالمؤمن حين يصاب إما أن يكفر الله به عنه ذنباً وإما أن يرفعه درجة به لكن المصائب حين تصيب المنافق فهي مغرم فقط لأن المنافق لا يرجو الآخرة ولذلك يقال : إن المصاب ليس من أصيب فيما يحب ، ولكن المصاب هو من حرم الثواب . فإن استقبل المؤمن المصيبة بالرضا ، وعلم أن الذي أجراها عليه حكيم ، ولا يجري عليه إلا ما يعلم الخير وإن لم يعلمه فهو ينال الثواب على الصبر والأجر على الرضا ، وهكذا يخرج من دائرة الألم العنيف . أما غير المؤمن فهو يتمرد على القدر ، وبعدم إيمانه يُحْرَم من الثواب . أو أن العذاب مرتين ، غير الفضيحة بنفاقهم ، فيتمثل في محاولتهم أن يظهروا بمظهر الإيمان والإسلام ، فيخرج الواحد منهم الزكاة من ماله ، والمال محبب للنفس لذلك فهو يخرج الزكاة مرغماً ويشعر أنه قد خسر المال لأنه لا يؤمن بإله لذلك فمصيبته كبيرة . وقد يرسل المنافق ابنه للحرب وهو يعلم أنه ليس له في ذلك ثواب ، وهذا لون آخر من العذاب . وهذا العذاب متحقق بقول الحق : { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا … } [ التوبة : 85 ] . أو أن يكون العذاب في الدنيا هو ما يرونه حين تغرغر النفس ، لحظة أن تبلغ الروح الحلقوم ، ويرى المُغَرْغِر الملائكة مصداقاً لقوله الحق : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } [ الأنفال : 50 ] . وكل هذه ألوان من العذاب في الدنيا . والإنسان - كما نعلم - في استقبال الزمن له ثلاث حالات : زمن هو حياته الدنيا ، وزمن هو زمن موته ، وزمن هو زمن آخرته . فحين يصاب المؤمن في الزمن الأول - زمن حياته - يُعزِّيه في مصابه الزمنُ الأخير ، وهو زمن آخرته . أما حين يصاب الكافر أو المنافق في زمن حياته ، فلا شيء يعزيه أبداً لأنه لا يؤمن بالله ولا هو يطمع في شيء من خيره سبحانه . ويأتيه الزمن الثاني ، وهو زمن الموت ، وفيه عذاب القبر . والعذاب إنما يكون بأحد اثنين : إما عرض ما يعذب به ، أو دخول فيما يعذب به ، وهذا يكون في الآخرة . أما عرض العذاب فهو القبر كأنه يقول لك : انظر ما ينتظرك . وما دام الإنسان يرى الشر الذي ينتظره ، أليس هذا عذاباً ؟ إنه عذاب مؤكد . { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } ولو قال الحق : " نعذبهم مرتين " فقط بدون السين ، لصار لها معنى آخر مختلف تماماً . يتلخص في أن من يصيبه عذاب ، فقد انتهى حسابه . لكن قوله : { سَنُعَذِّبُهُم } يؤكد لنا كلما قرأناه أن العذاب متصل . ويُنهي الحق الآية الكريمة بقوله : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } وكلمة { يُرَدُّونَ } مثلها مثل { يُرْجعون } أو { يَرْجعون } ونحن نقول مرة : " يُرْجعون " وأخرى " يَرْجعون " ، فكأن النفس البشرية تألف جزاءها في قولنا : " يَرْجعون " ، أما قولنا : " يُرْجعون " ففي الكلمة قوة عليا تدفعهم ألا يتقاعسوا . وهكذا نجد المعذَّب إما مدفوع بقوة عُليا ، وإما أن توجد فيه بقوة ذاتية تجعله يذهب إلى العذاب . والإنسان قد يتصرف تصرفاً ما ، ثم يرد إلى أفكاره فلا يعجبه هذا التصرف ، ويستقبل نفسه بالتوبيخ وبالتعنيف لأن هناك إلحاحاً من النفس على العقوبة ، وهو إلحاح يأتي من ذات النفس . والنفس الأمارة بالسوء قد تقضي حياتك معها في أمر بالسوء ، ثم حين يأتي العقاب فأنت تقول لها : " اشربي أيتها النفس نتيجة ما فعلت " . إذن فالمعذَّب يُدفع مرة للعذاب ، وأخرى يندفع بذاته . { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } ومثلما قلنا من قبل : فإن هناك ألواناً متعددة من العذاب ، فهناك العذاب العظيم ، والأليم ، والمهين ، والمقيم . والعذاب العظيم يأتي إما بأسباب وإما بمسبِّب ، وعذاب الدنيا كله بأسباب ، فقد يكون العذاب بالعصا ، أو بالكرباج ، أو بالإهانة ، والأسباب تختلف قوة وضعفاً ، أما عذاب الآخرة فهو بمسبِّب ، والمعذِّب في الآخرة واحد وقوته لا نهاية لها ، وإن قسْتَ عذاب الآخرة بالعذاب في الدنيا فمن المؤكد أن عذاب الآخرة عذاب عَظيم . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ … } .