Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 105-105)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن : هم أعلنوا التوبة بعد أن اعترفوا بذنوبهم ، وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، وربطوا أنفسهم في سواري المسجد ، وقالوا : لا نحل أنفسنا حتى يحلّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : خذ من أموالنا صدقة لتطهرنا كل هذا جعل هناك حداً فاصلاً بين ماضٍ ندموا عليه ، ومستقبل يستأنفونه قد ولدت الآن . وبدأت صفحة جديدة ، فهل أنتم ستسيرون على مقتضى هذه التوبة أم لا ؟ ولا تظنوا أن أموركم ستكون في الخفية بل ستكون في العلن أيضاً ، أما أموركم الخفية فسيعلمها الله لذلك قال : { فَسَيَرَى ٱللَّهُ } . أما الأمور التي تحتاج لفطنة النبوة فالرسول صلى الله عليه وسلم بفطرته سيراها بنوره في سلوككم . أما الأمور الظاهرة الأخرى فسيراها { ٱلْمُؤْمِنُونَ } . نحن هنا أمام ثلاثة أعمال : عمل يراه المؤمنون جميعاً ، فالتزموا بهذا المنهج حتى يشهد لكم المؤمنون بما يرون من أعمالكم ، وإياكم أن تخادعوا المؤمنين لأن رسول الله بفطنته ونورانيته وصفائه وشفافيته سيعرف الخديعة ، أما إن كانت المسألة قد تتعمَّى على المؤمنين وعلى الرسول ، فالله هو الذي يعلم . { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ } أي : اعملوا عملاً جديداً يناسب اعترافكم بذنوبكم ، ويناسب إعلانكم التوبة ، ويناسب أنكم ربطتم أنفسكم في المسجد ، ويناسب أنكم تصدقتم بالأموال ، عمل تستأنفون به حياتكم بصفحة جديدة ، واعلموا أننا سنرقب عملكم ، الله يرقبه فيما لا يعلمه البشر ، وهو النيَّات ، ورسول الله يعلمه فيما يطابق نورانيته وإشراقه ، والمؤمنون يعلمونه في عاديات الأمور . وهذه الرؤية من الله ومن الرسول ومن المؤمنين لا تكون لها قيمة إلا إذا ترتب عليها الجزاء ثواباً أو عقاباً ، فهي ليست مجرد رؤية ، بل إن الرائي يملك أن يثيب أو أن يعاقب . وأنكم راجعون إليه لا محالة . وإذا كنتم في الدنيا تعيشون في الأسباب التي يعيش فيها الكافر والمؤمن ، ويعيش فيها الطائع والعاصي ، فهناك عالم الغيب الذي يملكه الله وحده : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . إذن : سيعامل التائب معاملة جديدة ، وما دام قد تاب ، فلعله بسبب الغفلة التي طرأت عليه فأذنب غفل عن اليوم الآخر ، فيحتاج إلى تجديد التذكير بالإيمان . لذلك قال : { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } . قوله سبحانه : فَسَيَرَى ذكر الفعل مرة واحدة ، فالرؤية واحدة ملتحمة بعضها ببعض لتروا هل أنتم على المنهج أم لا ؟ { وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أما علم الغيب فانفرد به الله سبحانه ، وأما عالم الشهادة فالرسول سوف يعلم عنكم أشياء ، وكذلك المؤمنون يعلمون أشياء ، وربنا عالم بالكل . وسبحانه لا يجازي على مجرد العلم ، بل بنية كل إنسان بما فعل ، وسبحانه يقول : { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] . ولذلك يُنهي الحق هذه الآية بقوله : { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } وهؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم ، وربطوا أنفسهم في السواري ، وتصدقوا بالأموال ، وأعطى الله فيهم حكمه بأن جعل رسول الله هو من يحل وثاقهم من السواري ، وقبل منهم الصدقات ليسوا وحدهم ، فهناك أناس آخرون فعلوا نفس الأمر ، لكنهم لم يربطوا أنفسهم في سواري المسجد ، ولا اعترفوا بذنوبهم لذلك يجيء قوله الحق : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ … } .