Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 10-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومن لا يرقب إلاّ ولا ذمة في غيره إنما يظلمه ، فإذا كان بيني وبينك قرابة ، أو عهد ، أو إيمان ، فإن لم تراع ذلك تكون قد اعتديت على حقوقي عندك ، وليتك قد اقتصرت في الاعتداء على حقوق الغير ، لكنك - أيضاً - اعتديت على نفسك ، لأنك أعطيتها متاعاً قليلاً في الدنيا ، وتصلى في الآخرة ناراً ، إذن فقد ظلمت نفسك . ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } [ آل عمران : 135 ] . ويقول سبحانه وتعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 118 ] . وأليس الذي فعل فاحشة ، يظلم نفسه ؟ بلى ، ظلمها في الآخرة بعد أن أعطاها شهوة في الدنيا ، أي أنه أخذ متعة عاجلة بعذاب آجل . لكن الذي يظلم نفسه ظلماً شديداً وبيِّناً هو الذي يرتكب إثماً دون أن يأخذ متعة في الدنيا ، فلا هو أخذ متعة دنيا ولا أخذ متعة آخرة ، مثل الذي يتطوع لشهادة الزور ، هو يأخذ عذاباً في الآخرة ولم يأخذ متعة في الدنيا . وقد يقول قائل : إن هذه الآية مكررة لأن الله تعالى قال من قبل : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً … } [ التوبة : 8 ] . ونقول : إن الموضوع يختلف ، ففي الآية الثامنة من سورة التوبة يبين الحق أنهم إن تمكنوا من المؤمنين فلن يراعوا قرابة ولا جواراً ولا حلفاً ، وإن أظهروا عكس ذلك . أما في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها فهم يظلمون أنفسهم ويبيعون إيمانهم بثمن قليل ، وهناك فرق بين ظلم الغير وظلم النفس . وهم في صدهم عن سبيل الله تعالى وعدوانهم على المؤمنين ، لم يحصلوا على فائدة دنيوية ، بل حاربوا الإيمان وحاربوا الدين فأخذوا الإثم ولم يستفيدوا شيئاً ، فكأنهم لا يرقبون إلاّ ولا ذمة حتى مع أنفسهم . ولذلك وصفهم الحق سبحانه وتعالى بأنهم هم المعتدون ، لأنهم دون أن يُعتدى عليهم تطوعوا بالعدوان على دين الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين ثم قاموا بالعدوان على أنفسهم . ومن بعد ذلك تأتي رحمة الله لترينا كيف أن الله تعالى رحيم بعباده وخلقه ، فالحق سبحانه وتعالى يخبرنا بأنهم مهما فعلوا فإنهم إن تابوا يقبل الله توبتهم ، لذلك يقول الحق جل جلاله : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ … } .