Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 124-124)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله الحق : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ } يعني : إذا نزلت ، ونعلم أن هناك " نَزَل " و " أَنْزلَ " و " نَزَّل " فـ " أنَزَل " للتعدية ، فالقرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا . ثم نزّله الحق نجوماً . فالتنزيل معناه : موالاة النزول لأبعاض القرآن ، فالقرآن قد أنزل كله ، ثم بعد ذلك نزله الحق ، ونزل به جبريل - عليه السلام - على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وقد جمعت الآية تنزيل الحق للقرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، ثم نزول جبريل - عليه السلام - بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحق سبحانه يقول : { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ … } [ الإسراء : 105 ] . وفي آية أخرى يقول سبحانه : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] . وهنا يقول الحق : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } والسورة هي الطائفة من القرآن المسورة بسور خاص أوله مثلاً : { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } وآخره تأتي بعده سورة أخرى تبدأ بقوله الحق : { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } ومأخوذة من السور الذي يحدد المكان . وهل المقصود بقوله الحق هنا نزول سورة كاملة من القرآن أم نزول بعض من القرآن ؟ إن المقصود هو نزول بعض من القرآن . وتتابع الآية : { فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } والمقصود بهذا المنافقون الذين رجعوا عن الإيمان . ونحن نعلم أن القرآن حق وأنه من عند الله ، وله أسر وفاعلية إشراقية في صفاء النفس ، وقد سمعه الكفار من قبل ، وشهدوا له ، أما المؤمنون فحين سمعوه فقد أسرهم . وهذا الأمر بسبب الاستعداد لتلقيه لأن المسألة في كل الأحداث ليست من الفاعل وحده ، ولكن من الفاعل والقابل للفعل - ولله المثل الأعلى - أنت تأتي بمطرقة مثلاً ، وتطرق قطعة حديد فترق وتزيد مساحتها ، أما إن طرقت بالمطرقة قطعة صلب أقوى من المطرقة فلن تؤثر فيها . إذن : فالطرق شيء وقابلية الطرق شيء آخر ، وهكذا لا بد للفاعل من قابل ، والمطلوب من القابل للشيء أن يستقبله بغير خصومة له نابعة من قلبه . فإذا أراد أحد أن يسمع القرآن فعليه أن يخرج ما في قلبه مما هو ضد القرآن ، ويضع القرآن وضده خارج قلبه وليسمع هذا وهذا وما ينفذ إلى قلبه بعد هذا فليصدقه . لكن أن يستقبل القرآن بما في قلبه من كراهية القرآن فلن يتأثر به ، مثلما قابل بعض المنافقين القرآن وقالوا : لم نتأثر به . وسبب هذا أن هناك ما يسمى بالحيز ، وعدم التداخل في الحيز ، فالقلب حيز لا يسع الشيء ونقيضه ، فلا تملأ قلبك ببغضك للدين ، ثم تقول : لقد سمعت القرآن ولم يؤثر فيَّ . هنا نقول لك : أخرج من قلبك ما يكون ضد القرآن ، واجعل القرآن أيضاً خارج قلبك ، ثم انظر في الاثنين لترى ما الذي يستريح له قلبك ، لكن أن تكون مشحوناً ضد القرآن ثم تقول : إن القرآن لم يؤثر فيك ، فهذا يعني أنك لم تنتبه إلى الفرق بين الفاعل والقابل ، ولم تنتبه إلى ما يسمى بالحيز ، ومدى قدرته على الاستيعاب . فالزجاجة ذات الفوهة الضيقة لا تستقبل بداخلها الماء إن أغرقتها فيه لأن ضيق الفوهة لا يساعد الهواء الذي بداخلها على الخروج ، ولا يساعد الماء على الدخول لأن الماء لن يدخل إلا إذا خرج الهواء لذلك لا بد أن تكون فوهة الزجاجة واسعة تسمح بخروج الهواء ودخول الماء ، وعند ذلك سترى فقاقيع الهواء وهي تعلو الفوهة . وإذا كان الأمر كذلك في الحسيات ، فما بالك في الأمور المعنوية وهي مثل الأمور الحسية . إذن : فأخْرِج ما يناقض الحق من قَلْبك ، واجعل الباطل والحق خارجاً ، ثم استَقبل الاثنين . لا يمكن لك في مثل هذه الحالة إلا أن تستقبل الحق . ويصف سبحانه المصرين على الكفر : { وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ … } [ التوبة : 93 ] . أي : أن ما هو خارج هذه القلوب لا يدخل إليها ، وما في داخلها لا يخرج منها . إذن : ما دام الحق قد ختم على قلوبهم فلن تنفتح هذه القلوب للإيمان ، وستظل محتفظة بالكفر . فإذا كان من هؤلاء الكافرين أو المنافقين من يسمع القرآن ، ولا يأسره بيانه فذلك بسبب عجزهم عن النظر إلى ما فيه من معان وقيم لأن الإنسان حينما يسمع القرآن ، وتكون نفسه صافية ليس فيها ما يشوش على ما في القرآن من جاذبية وبيان يؤثر فيه وتطمئن إليه نفسه . ولذلك حين قرأ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - القرآن ، وكان من قبل ذلك شديداً على الإسلام ، ثم ذهب إلى أخته ليتحقق من أمر إسلامها ، وحين سال منها الدم رقت عاطفته لها ، ثم قرأ القرآن فاستقر في قلبه . إذن : لا بد أن تخرج ما في ذهنك أولاً لتستقبل القرآن . فإذا ما أنزلت سورة يستقبلها المؤمن بصفاء . أما الكافرون والمنافقون ، فمنهم من يقول : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } وتعطينا الآية معنى أننا أمام فريقين : واحد يقرأ ، والثاني يسمع . ونفهم من سياق الآية أن الذي يتساءل مثل هذا السؤال إنما يوجهه لفريقين : أحدهما من ضعاف الإيمان ، أو حديثي الإسلام ، أو المنافقين ، وهؤلاء هم الذين لم يُخْرجوا الكفر أو بعضه من قلوبهم ، وقابلية بعضهم لاستقبال الإيمان لم تتأَكد بعد ، ومنهم من قال فيهم الحق : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً … } [ محمد : 16 ] . ويقول : { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى … } [ فصلت : 44 ] . إذن : الفاعل شيء ، والقابل شيء آخر . هم سمعوا القرآن بدليل أن الحق يقول : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } وسياق الآية يوحي لنا أن هناك همساً من بعضهم : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } وهذا الهمس يأتي بلهجة المستهزئ ، وقائل الهمس يعني أن سماعه للقرآن لم يزد شيئاً عنده ، ولم ينقص ، وهو يهمس لمنافق مثله ، أو لضعيف الإيمان { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } فيرد الله على القضية النفسية ، ويعلمنا أنه سبحانه قد قسم الناس قسمين : قسم كافر أو منافق ، وهذا القسم يزيده القرآن كفراً ، أما القسم المؤمن فاستقباله للقرآن يزيد من إيمانه . إذن : الفاعل شيء والقابل مختلف . ووقف العلماء أمام هذه الآية موقفاً فيه اختلاف بينهم { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } فقال بعضهم : إن الإيمان ينقص ويزيد ، وقال بعضهم : إن الإيمان لا ينقص ولا يزيد ، وقامت معركة بين علماء الكلام ، ولا تتسرب معركة بين عقلاء إلا إذا كانت جهة الفهم في الأمر الذي يختلفون فيه منفكة ، فمنهم من يذهب فكره إلى ناحية ، ومنهم من يتجه فكره إلى ناحية أخرى . فالذين قالوا : إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، فلحظة أن يتألق الإيمان في القلب يستقر فيه ، وهو الإيمان بالله ، وأن لا إله إلا الله ولا معبود سواه ، وأن محمداً رسوله المبلغ عنه هذا الإيمان لا يزيد ولا ينقص . والمثال : هو قول الإمام على كرم الله وجهه : لو انكشف عني الحجاب ما ازددت يقيناً . أما العلماء الذين قالوا بأن الإيمان يزيد ولا ينقص ، فقد قصدوا بذلك تطبيق مستلزمات الإيمان من الآيات ، فكل آية تحتاج ممن يصدقها أن يكون مؤمناً بالله أولاً ، ثم ينفذ متطلبات الآية . وكل المسلمين مؤمنون بالله ، ولكن في جزئيات التطبيق نجد من يطبق عشرين جزئية وآخر يطبق ثلاثين ، أما أصل الإيمان الذي استقبل به الإنسان التكليف وهو التوحيد ، فلا يزيد أو ينقص . وهؤلاء المنافقون عندما قالوا : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } هل تداولوا ذلك سرّاً أم قالوه علناً ؟ لا بد أنهم قالوا ذلك سرّاً وفضحهم الحق سبحانه ، وكان يكفي أن يعلموا أن الله يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بكل ما يكتمونه ، ولكنهم احترفوا اللجاجة لذلك قالوا : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } . ويرد الحق سبحانه : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } و " يستبشر " أي : يملأ السرور بشرته ، فترى البريق ، والفرحة ، والانبساط . وكلها من علامات الاستبشار ، ومن يستبشر بآية من آيات الحق فهو الذي يفهم من الآية شيئاً جديداً يدخل على نفسه السرور ولذلك فهو يرتاج لنزول تكليفات إيمانية جديدة ، ليعظم ويزداد ثوابه ، وهو غير ذلك الذي يكره أن ينزل حكم جديد من الله . هذا هو معنى " يستبشر " . أما الآخرون فيقول الحق سبحانه عنهم : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم … } .