Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 126-126)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله الحق : { أَوَلاَ يَرَوْنَ } أي : ألا يستشهد المنافقون تاريخهم مع الإسلام ، ويعلمون أنهم يفتنون في كل عام مرة بالمصائب ومرة بالفضيحة ، فتجد رسول الله حين يراهم يخرج بعضهم من بين الصفوف ويقول لهم : " اخرج يا فلان فإنك منافق " . ثم بعد شهور يتكرر الموقف ، وهنا يذكرهم الحق سبحانه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفيهم كل عام مرة أو مرتين . الأصل في الفتنة أنها امتحان واختبار ، وهي ليست مذمومة في ذاتها ، لكنها تذم بالنتيجة التي تأتي منها ، فالامتحان - أي امتحان - غير مذموم ، لكن المذموم هو أن يرسب الإنسان في الامتحان . إذن : الابتلاء أو الفتنة في ذاتها ليست مذمومة ، إنما المذموم أن تأتي النتيجة على غير ما تشتهي ، وهم يفتنون حين يرون انتصار المسلمين رغم نفاقهم وكيدهم للمسلمين ، وكان يجب أن يعلموا أنهم لن يستطيعوا عرقلة سير الإسلام لأنه منتصر بالله . وكان يجب أن يعتبروا ويتوبوا لينالوا خير الإسلام ، فخيره ممدود رغم أنوفهم ، والخسارة لن تكون على الإسلام ، وإنما الخسارة على من يكفر به . ونحن نعلم أن الإسلام بدأ بين الضعفاء إلى أن سار الأقوياء إليه ، وتلك سنة الله في الكون ، بل إننا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الرسالة كان مطلوباً منه أن يؤمن بأنه رسول . وكما تقول أنت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، كان على النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله . وسبحانه جل شأنه ، الخالق الأكرم ، آمن بنفسه أولاً ، بدليل قوله سبحانه : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ آل عمران : 18 ] . فأول شاهد بالألوهية الحقة هو الله ، وقد شهد لنفسه ، ومعنى ذكر شهادته لنفسه لنا أن نؤمن بأنه سبحانه يزاول قيوميته وطلاقة قدرته بكلمة " كن " وهو عالم أن مخلوقاته تستجيب قطعاً ، وكان لا بد أن يعلمنا أنه آمن أولاً بأنه الأول ، وأنه الإله الحق ، بحيث إذا أمر أي كائن أمراً تسخيرياً فلا بد أن يحدث هذا الأمر ، وسبحانه لا يتهيب أن يأمر لذلك قال لنا : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } شهادة الذات للذات ، وشهدت الملائكة شهادة المشهد وشهد أولو العلم شهادة الاستدلال ، وحين يشهد محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله فهو يؤمن بأنه رسول ، ولو لم يؤمن برسالته لتهيب أن يبلغنا بالرسالة ، وبعد أن آمن صلى الله عليه وسلم أنه رسول من الله جاءه التكليف من الحق : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] . وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام ، ويبلغ آيات الحق إلى أن جاءت آيات الدفاع عن دين الله ، وقال الحق : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ … } [ التوبة : 123 ] . إذن : في البداية كان لا بد أن يؤمن أنه رسول ، وأن يبلغ الدعوة إلى قريش وسائر الجزيرة ، وتعبر دعوته بعد ذلك من الجزيرة إلى الشام ، وتتعدى الرسالة الشام بالإعلام وإن لم تتعد بالفعل حتى يأتي أتباعه من الصحابة وينساحوا بالإسلام في كل بقاع الأرض ، ولذلك كانت الرمزية في إرسال الكتب : كتاب لفلان وكتاب لفلان وكتاب لفلان ليفهم العالم أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان والإسلام دعوة متعدية لأنها خالفت دعوات الرسل عليهم السلام ، فقد كان كل رسول إنما يعلم أن حدود دعوته هي أمته . أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانت لرسالته مراحل : آمن بذاته أولاً ، ثم دعا الأقربين ، ثم من بعد ذلك قريش ، ثم أبلغ العرب ، ثم الشام ، وتعدت الدعوة بالكتب إلى جميع الملوك في العالم ، وصارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمنة على حمل الدعوة ونشرها في أي مكان ومعها حجتها وهي القرآن . وشاء الله أن يختم رسول الله الرسالات ، وأرسله بالإسلام الذي يغلب الحضارات ، رغم أنه صلى الله عليه وسلم من أمة أمية لا تعرف شيئاً حتى لا يقال عن الإسلام أنه مجرد وثبة حضارية ، وجاء لهم منهج غلب الحضارات المعاصرة له : فارس والروم في وقت واحد . إذن : فالمسألة كانت مسألة قبيلة ، يحكمهم واحد منهم هكذا ، دون تمرس بالنظم الاجتماعية ، ولم يعرفوا شيئاً قبل الإسلام ، بل هم أمة متبدية لا شأن لها بالنظم السياسية أو الاقتصادية ، وطن الواحد منهم جمله وخيمته وبضعة أدوات تعينه على الحياة ، وتستقر كل جماعة في أي مكان يظهر به العشب ويوجد به الماء ، وبعد أن تأكل الأغنام والأنعام العشب ، ينتقل العربي مع جماعته إلى مكان آخر ، بعد أن ينظر الواحد منهم إلى السماء ليعرف مسار الغمام وأين ستمطر السحب ، ثم ينساح هؤلاء بالدعوة بعد ذلك ، فلو كان لهم انتماء إلى وطن أو بيت أو مكان لصار الرحيل صعباً عليهم ، لكنهم كانوا متمرسين بالسياحة في الأرض . والآية التي نحن بصددها تكشف ضعف إيمان البعض ، ونفاق البعض ، فيقول الحق : { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي : كان لا بد أن يتوبوا أو يتعظوا ويعلموا أن وقوفهم ضد الإسلام لم ولن يحجب الإسلام وأنهم سينسحقون ويضيعون ، فلماذا لا يتذكر كل منهم نفسه ، ويرى مصلحته في الإيمان . ويقول الحق بعد ذلك : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ … } .