Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 127-127)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومن قبل جاء قول الحق : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً … } [ التوبة : 124 ] . أي : أن هؤلاء المنافقين يشعرون بالضيق والحصار ، ويخافون أن يتكلموا لأنهم موجودون مع المسلمين ، ولكنهم لا يعدمون وسيلة للتعبير عن كفرهم ، فيغمز الواحد منهم بعينه ، أو يشير إشارة بيده ، فإذا ما كانوا قد تساءلوا من قبل بـ { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } فقد كان هذا السؤال يتعلق بالتكاليف ، أما في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها فليس فيها تكاليف جديدة . لقد كانوا يريدون أن يقولوا شيئاً ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتكلموا بأفواههم ، فتكلموا بأعينهم ونظراتهم ، فكأن النظر نفسه كان فيه هذه الكلمة : { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } ، وهذا قد تراه من واحد يسمع خطبة الخطيب ، ولكنه يرى بها أشياء لا تعجبه ، فتجده يعبر بانفاعالات وجهه عن عدم رضاه . إذن : فهناك نظر ، وهناك كلام ، وهم قد تساءلوا : هل يراكم من أحد ؟ ومثلها مثل قولك : ما عندي من مال ؟ أي أنك لا تملك بداية ما يقال عنه مال ، والقول الكريم أبلغ بالقطع من أن تقول : هل يراكم أحد . إن قوله الحق : { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } دليل على أنهم في خوف من أن يضبطهم أحد ، ومن بعد ذلك تجدهم يتسللون خارج دائرة الاستماع للقرآن أو للرسول لأنهم لا يطيقون الاستمرار في الاستماع لأن منطق الحق يلجم الباطل ، والواحد منهم غير قادر على أن يؤمن بالحق وغير قادر على إعلان الكفر فينسحبون ، وينصرف كل واحد منهم لذلك نجد أن بعضهم قد قال من قبل : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ … } [ فصلت : 26 ] . وقد قالوا ذلك لأن الكافر أو المنافق قد تأتيه لحظة غفلة عن الباطل ، فيتسلل الإيمان إلى قلبه ، كما أن المؤمن قد تأتيه لحظة غفلة عن الحق ، لكنه يستغفر الله عنها . وإذا ما أتت للمنافق أو الكافر لحظة غفلة عن كفره أو نفاقه فتأتيه هجمة الإيمان فيخافها ، فيقول لمن هم مثله : من الأفضل أن نقول لمن معنا لا تسمعوا هذا القرآن . لماذا ؟ حتى لا يصادف فترة غفلة عن النفاق ، فإذا صادف فترة غفلة عن النفاق فمن الممكن أن يدخل الإيمان القلب . ولذلك قالوا : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } ، ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل طلبوا من الأتباع ان يلغوا فيه ، أي : أن يشوشوا عليه : { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ … } [ فصلت : 26 ] . إذن : لا غلبة لهم مطلقاً إلا بعدم الاستماع إلى القرآن ، أو أن يشوشوا عند سماع القرآن حتى لا ينفذ القرآن إلى القلوب . وهنا يقول الحق سبحانه عن هؤلاء المنافقين : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } كانوا يقولون ذلك لأنهم كمنافقين سبق لهم إعلان الإسلام ، وكانوا يدعون أنهم متقدمون في تطبيق أحكام الإيمان ، وكانوا يصرون على الوقوف أثناء الصلاة في الصف الأول حتى يدفعوا عن أنفسهم تهمة النفاق ، وكما يقول المثل : يكاد المريب أن يقول خذوني . وينظر بعضهم إلى بعض متسائلين : { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } لأنهم لا يطيقون الجلوس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى المؤمنين . وينهي الحق الآية : { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } وذلك نتيجة لانصرافهم نفسيّاً إلى النفاق فيساعدهم سبحانه على ذلك ، فما داموا لا يعرفون قيمة الإيمان فليذهبوا بعيداً عنه ، فالحق لهم يصرفهم إلا باختيارهم ، حتى لا يقول أحد : إن الله هو مصرف القلوب ، فما ذنبهم ؟ لا ، لقد انصرفوا هم بما خلقه الله فيهم من اختيار ، فصرف الله قلوبهم ، لماذا ؟ لأنهم { قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } أي : لا يفهمون . والفهم أول مرحلة من مراحل الذات الإنسانية ، وهناك فرق بين الفهم والعلم . فالفهم يعني أنك تملك القدرة على تَفَهُّم ذاتية الأشياء بملكة فيك ، لكن العلم يعني أنك قد لا تفهم أنت بذاتك ، وإنما يفهم غيرك ويعلمك . فأنت قد تعلم جزئية لا من عندك وإنما من معلم لك . ولكن قد يقول قائل : ما داموا لا يفقهون فما ذنبهم ؟ ونقول : الذي لا يفهم عليه أن يتقبل التعليم ، لكن هؤلاء لم يفهموا ولم يتعلَّموا ، وأصروا على عدم قبول العلم . وبعد ذلك يأتي ختام سورة التوبة . والسورة بدأت بالقطيعة : { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 1 ] . ووردت لنا أحوال الكفار والمنافقين وتكاليف الجهاد الشاقة ، وأراد الحق أن يختم السورة بما يبرر هذه المشقات المتقدمة ، فبيّن لنا : إياكم أن تنفضُّوا عن الرسول أو تغضبوه لأنه وإن جاء لكم ببلاغ فيه أمور شاقة عليكم فخذوا هذه الأمور الشاقة على أنها من حبيب لكم ، لا من عدو لكم . إنك مثلاً إن رأيت عدوّا ضرب ابنك وجرحه ، يكون وقع هذا الأمر شديداً عليك لأنه عدو . لكنك إذا أخذت ابنك للطبيب وقرر الطبيب إجراء جراحة للابن ، فأنت تقبل ذلك لتزيل عن ابنك خطراً . إذن : فهناك فارق بين جرح عدوك لابنك وجرح الطبيب له رغم أن الإيلام قد يكون واحداً . إذن : لا ترفض الأمور الشاقة عليك لمجرد ورود المشاق عليك ، ولكن اعرف أولاً من الذي أجرى المشاق عليك ، فإن كان ربك ، فربك بك رحيم . وإن كان الرسول فخذ أوامر الرسول وطبقها لأنها من حبيب يريد لك الخير . وهنا يقول الحق : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ … } .