Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 13-13)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في هذه الآية الكريمة يحض المولى سبحانه وتعالى على جهاد ، وقتال أئمة الكفر ، وعدم تركهم يستشرون في حربهم للدين ، ومنع الناس عن الإيمان ، وصدهم عن سبيل الله . و " أَلاَ " تسمى أداة تحضيض ، مثل قولنا : أَلاَ تذهب إلى فلان ، وهي حث على الفعل لأن التحضيض نوع من أنواع الطلب . وقوله تعالى : { نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } أي نقضوا عهودهم ، وقوله تعالى : { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } أي : هم الذين بدأوا بالعداوة ومحاولة إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة ، وَ { هَمُّواْ } ، أي عقدوا النية على العمل ، وقوله تعالى : { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي : أنهم هم الذين بدأوا بعداوة المسلمين والصد عن الإسلام من أول أن بدأ يدعو إليه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم . والبدء هو : العمل الأول ، و " المرة " هو فعل لا يتكرر لأنه إن تكرر نقول : { مَرَّتَيْنِ } ، مثل قول الحق سبحانه : { ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ … } [ البقرة : 229 ] . هم إذن الذين بدأوا الفعل الأول بالعداوة . والإسلام - كما نعلم - قد واجه قوتين في مرحلتين مختلفتين من مراحل الدعوة للإسلام : قوة المشركين من قريش ، وقوة اليهود ، وأما قريش فقد هموا بأن يخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة ، وقد يقول قائل : لكن المؤمنين هم الذين بدأوا القتال في بدر . وأقول : لم يذهب المسلمون إلى بدر للقتال ، بل ذهبوا من أجل العير تعويضاً عن مالهم الذي تركوه في مكة ، ولكن الكفار قالوا : لن نرجع حتى نستأصل محمداً ومن معه ، وجاءوا بالنفير ليقاتلوا في بدر . إذن فعلى الرغم من سلامة العير بحيلة من أبي سفيان إلا أن قريشاً هي التي أرادت القتال فجمعوا الجند والفرسان ليقاتلوا المسلمين . وكذلك فعل اليهود ، فقد نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول من المدينة . كما حاول المشركون إخراجه من مكة ، وكان بينه صلى الله عليه وسلم ، وبين اليهود معاهدة ، وهذه المعاهدة كانت من أوائل أعمال رسول الله في المدينة ، فهل حافظ اليهود على هذه العهود ؟ . لا ، فقد تعهدوا ألا يعينوا عدواً عليه ، ونكثوا أيمانهم ونقضوا العهد فأعانوا قريشاً على المسلمين . وكذلك فعل بنو النضير ، فقد أرادوا اغتياله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بإلقاء صخرة عليه ، بل وتمادى اليهود في غزوة الأحزاب وأعانوا قريشاً ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتفقوا معهم على أن يدخلوهم من أرضهم بالمدينة ليفاجئوا رسول الله وجيش المسلمين من الخلف . إذن فقول الحق سبحانه وتعالى : { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } لها أكثر من حيثية ، ونقضهم العهود وبدْؤُهم القتال يجعلكم تقاتلونهم لتأمنوا شرهم . { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ … } [ التوبة : 13 ] . وقوله تعالى : { أَلاَ تُقَاتِلُونَ } حث على القتال ، أي : ما الذي يمنعكم من قتالهم إلا أن تكونوا خائفين منهم ، ولذلك يقول تبارك وتعالى : { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } [ التوبة : 13 ] . وهنا يلفت الحق سبحانه نظر المؤمنين إلى أنهم إن كانوا أمام حالين ، خشية من البشر وإيذائهم ، وخشية من الله ، فالأحق بالخشية هو الأشد والأعظم والأدوم عقاباً . ولأنكم إذا ما قارنتم قوة هؤلاء بقوة الله ، فالله أحق بالخشية قطعاً . وإذا كنت بين اختيارين فأنت تقدم على أخف الضررين ، فكيف يخاف المؤمنون ما يمكن أن يصيبهم على أيدي الكفار ؟ ولا يخشون ما يصيبهم من الله . وأوضح الله سبحانه وتعالى أنه لا خشية من الكفار في آية أخرى من ذات السورة ، هي قوله سبحانه : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } [ التوبة : 52 ] . وهكذا أزال الحق سبحانه وتعالى الخوف من نفوس المؤمنين ، فماذا سيحدث لكم من جنود الكفر ؟ إما أن تستشهدوا فتدخلوا الجنة وإما أن تنتصروا . وقوله تعالى : { أَتَخْشَوْنَهُمْ } استفهام استنكاري معناه : ما كان يصح أبداً أن تخشوهم وتخافوهم لأنهم لو كانوا أقوى منكم وتغلبوا عليكم فزتم بالشهادة ، ولو كانوا أضعف منكم وتغلبتم عليهم فزتم بالنصر . وكلاهما أمر جميل مُحبَّب لنفوس المؤمنين بالله يحدث تثبيتاً لقلوبهم وأقدامهم في مواقف القتال والنزال . ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بالحكم النهائي فيقول : { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } [ التوبة : 13 ] . أي : راجعوا إيمانكم ، فإن كنتم مؤمنين بالله فأنتم راغبون في الشهادة . وإن كنتم مؤمنين بالله القادر القوي القهار فأنتم تعرفون الله وقدرته وقوته ، وهي لا تقارن بالقوة البشرية . فإِمَّا أن تنتصروا عليهم فتكون لكم فرحة النصر ، وإما الاستشهاد وبلوغ الجنة ، وكلتا النتيجتين خير ، أما ما يصيب الكفار فهو ينحصر في أمرين : إما أن يصيبهم الله بعذاب بأيدكم ، وإما أن يصيبهم بعذاب من عنده . إذن ففي أي معركة يدخلها الإيمان مع الكفر ، نجد أن الجانب الفائز هم المؤمنون ، سواء استشهدوا أم انتصروا . والخاسر في أي حال هم الكفار لأنهم إما أن يعذبوا بأيدي المؤمنين ، وإما أن يأتيهم عذاب من الله تعالى في الدنيا أو في الآخرة . وهكذا وضع الله المقاييس التي تنزع الخشية من نفوس المؤمنين في قتالهم مع الكفار ، فلا تولوهم الأدبار أبداً في أي معركة لأنه مهما كبرت قوة الكفار المادية ، فقوة الحق تبارك وتعالى أكبر . ويقول المولى سبحانه : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ البقرة : 249 ] . وهكذا لا يحسب حساب للفارق في القوة المادية ، فهذه خشية لا محل لها في قلوب المؤمنين في جانب الإيمان لأن الله مع الذين آمنوا . ثم يؤكد الحق سبحانه وتعالى حثه للمؤمنين على القتال فيقول : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ … } .